سلطانة

فاطمة الزهراء تغبالوت تكتب: من هي؟

  • فاطمة الزهراء تغبالوت بابعلي

المرأة من اغرب ما خلق في الكون، شكلها المهندس، كل منطقة في جسمها تحمل حكمة، حكمة إلهية ورسالة إنسانية، من هي؟

تلك المرأة في أعالي الجبال، وسط الثلوج البيضاء المفبركة بلمعان شمس باردة كبرودة ميت في كفنه، وسط أصوات تتعالى مع علو الجبال، امرأة تستنبط قوتها من ذاتها، من قساوة حياتها، من عنف رجلها، من دموع طفلها، تستنبطها من طيبوبتها الفطرية.

هي امرأة شاءت بها الأقدار وسط مجتمع متوحش لا يؤمن بوجود امرأة حقيقية، امرأة تحمل أهداف و أحلام، امرأة تتعايش مع تهميشها و احتضار رغباتها، من هي؟

أتيت لهذه الحياة ولا اعلم من انأ حتى بلغت النضج العقلي و الفكري، حتى أدركت أني منها، من هذه المرأة الجبلية، من جذور المرأة المغربية، من عروق المرأة المتوسطية، أدركت أن أحلامي ستموت مع أحلامها و حتى من طموحي لن يرى النور قط ،بدأت أعي تماما أن السكوت فرض واجب عليها وليس سنة.

استيقظت مع الخامسة صباحا في ظلام مرعب و جو قارص و حرارة منعدمة لتخرج إلى الفدان و تجني الزرع وتحمله على ظهرها المقوس، استيقظت حتى تبحث عن خشب لتدفئة كوخها، استيقظت لتحضر أكل زوجها،استيقظت في عز الشتاء حتى تلعب الدور المقدم لها، حتى تكون في نظر المجتمع امرأة مرضية تطبخ و تنجب و تربي وتحمل الأعواد على ظهرها وتسرح الماشية،و،و،و..و هكذا توالي

علمت حينها أن الدور علي وان أحلامي ستموت ما إن ابلغ العاشرة،حينها طرحت السؤال على نفسي من سأكون؟
هل سأكون نفسها هي،أم سأبيعها و أتقمص دورا بي يليق.

في احد الأيام جلست أنا وهي وبيدي قلم و كتاب سألتها من أنت؟، ضلت ساكتة حتى الدارجة لا تتقنها، سألتها مجددا من أنت؟ أجبتني بكل خجل و دموع تلمع في عينيها البريئة و أصبع يدها يشير إلى صدرها: لم افهم، حينها وجدت إجابتي “سأكون هي الصامتة.

مرت سنين و أنا أحاول أن أكون هي،تحديات و صعوبات ذاك المجتمع كانت بالنسبة لها ولي فرامل الحياة، السنين تمر و أنا أحاول أن أتحدى كل الظروف، أخبرتهم عن حلمي فضحكوا من استهتارهم،أخبرتهم عن طموحاتي وأهدافي فضحكوا ثانية، صرخت في وجوههم فضحكوا، قلت في نفسي هل مصيري كمصيرها!
في كل مرة اذهب إلى بلدتي اطرح نفس السؤال عليها فلا تجيبني، سكوت وحزن يغيمان على وجهها المقشر و الخشن بقساوة الحياة، ذات مرة أمسكت بيدها فأخبرتها عن حلمي فابتسمت ومررت لي رسالة قوية بابتسامتها الرائعة فرددت السؤال لكن لها وأنت ما كان حلمك فابتسمت مرة ثانية و أخبرتني أن حلمها هو حلمي فوعدتها أن أقاتل لتحقيق حلمها، وكان وعدها لي بتحقيق ذاتها ومساعدتي في إظهار قوة المرأة الامازيغية.

مرت سنين و سنين وعت تماما أنها من أجمل المخلوقات في الكون، أنها نصف المجتمع، أن الجنة تحت قدميها، أنها الحكمة والعقل المدبر، أنها الأمان، أنها الحنان، أنها الطاقة، أنها المنبع “تغبالوت” بالامازيغية، وجدت نفسها تتقن فن الزربية التقليدية فأصبحت فنانة، وجدت نفسها تنتج زيوت ومواد معطرة من زيت الزيتون، وجدت نفسها ترسم حياتها السوداء بألوان مبهجة، وجدت أن لغتها وحكيها ووسامها وصلوا للعالمية، هنا وجدت نفسي وسطها و عرفت أني سأكون تغبالوتها و اني سأدافع عن حلمي وحلمها وحلم مئات النساء المتوسطيات سيرا على خطاها.

قدري كان درسا لي، تعلمت أن أتكلم بصوت مرتفع حتى يسمعني الكل، تعلمت أن أتكلم بلغتي حتى يفهمها الآخر، تعلمت منها أن أرضى بأصولي أن أدافع عن نفسي و أن ابرز وجودي وسط العالم، تعلمت منها أن أصون نفسي وان أحافظ على هويتي أمام الجميع، قدري كان درس حياتي.
امرأة بلا هدف،بلا حلم،بلا طموح، هي امرأة مجهولة الهوية.
عيد سعيد لكل نساء العالم.

vous pourriez aussi aimer