سلطانة

خادمات “الموقف”.. يواجهن قساوة الظروف الاجتماعية

في جو ممطر وبرد يقارب درجة الصفر، تتوزع مجموعة من النساء في إحدى أكبر الساحات بمدينة طنجة شمال المغرب، محتميات من هذا الطقس القاتل وسط المساحات المغطاة التي توفرها بعض الشجيرات المتناثرة في هذا المكان الذي يعاني من حالة إهمال مثله مثل حالة الجالسين فيه.

فلا يكاد المرء يوقف سيارته بالقرب من هذا الفضاء، حتى يجد أمامه العشرات من هؤلاء النسوة يقمن بعرض خدمات منزلية مقابل دراهم معدودة، متصارعات من أجل الظفر بعمل مؤقت قد يمتد لساعات فقط، وذلك في سبيل توفير لقمة عيش كريم، تقيهن مرارة التسول وذل مد اليد.

“خادمات تحت الطلب” أو عاملات الموقف كما يحب المغاربة تسميتهن، نساء يتركن غرفهن الصغيرة وأبناءهن من أجل تنظيف منازل الغير والعناية بأطفال الآخرين، تعرفهن من ملامحهن الحزينة ووجههن المكفهر، فهن لا يفرقن بين الأيام والشهور.

اليوم العالمي للمرأة بالنسبة لهؤلاء النساء ليس الثامن من مارس، بل هو اليوم الذي يحصلن فيه على زبون ثري دراهمه كثيرة والشغل الذي يريده لا يتطلب مجهودا كبيرا، واليوم السيئ والأسود هو اليوم الذي يعدن فيه إلى المنزل خاليات الوفاض وبجيب فارغ، حسب ما قالته أمينة، شابة في أواخر الثلاثينات من عمرها.

ففي غمرة الصراع حول زبون مفترض، اختارت أمينة الانزواء منفردة في زاوية من الساحة وقد بدا عليها تعب ملحوظ جعلها ترخي رأسها فوق ركبتيها، محاولة الاحتماء من قطرات شقت طريقها عبر الأشجار لتسقط مباشرة فوقها.

فهذه المعاناة اليومية بدت تجلياتها واضحة على تقاسيم وجه “أمينة” وجسدها النحيف، وهي المعاناة التي تحكي هذه الأخيرة عن بعض تفاصيلها بمزيج من الألم والحسرة، ” زوجي تركني رفقة أبنائي منذ أزيد من سنتين بدون معيل أو رفيق”، تشرح أمينة بنبرة حزينة السبب الرئيسي الذي دفعها لامتهان هذا العمل، قبل ان تستطرد موضحة بأنها لا تملك حرفة تغنيها عن الوقوف في هذا المكان في انتظار باحث عن خادمة قد يأتي او قد لا يأتي.

وعن ظروف قيامها بالأعمال المنزلية التي تنجح بالظفر بها، أوضحت أمينة المنحدرة من مدينة مشرع بلقصيري الكائنة وسط المملكة، أنها تضطر إلى القيام بأعمال شاقة تفوق طاقتها مقابل أجر زهيد لا يكاد يسد حاجياتها وحاجيات طفليها.

ورغم ذلك فليست مشقة العمل وحدها التي تؤرق بال “أمينة”، وإنما النظرة التي يرمقها المجتمع بها إلى جانب التحرشات التي تتعرض لها، وتعمّق من عمق جراحها.

أما فتيحة فقد اختارت الحديث عن طبيعة تواجدها في الساحة بنبرة تفاؤلية، مؤكدة أنها مجرد مرحلة انتقالية تضع من خلالها موطئ قدم بمدينة طنجة الشمالية بعد أن شدت الرحال إليها قادمة من مدينة سيدي قاسم المتواجدة في الوسط الغربي، رفقة أبنائها الثلاث مباشرة بعد طلاقها من زوجها.

وتضيف أنه وبعدما ضاقت الدنيا في وجهها، وبعد بحث مضني عن فرصة عمل تؤمن لها ولأولادها مستلزمات العيش، فإن هذه الأخيرة لم تجد عملا يأويها سوى العمل كخادمة في الموقف.

وتشير فتيحة إلى أنها تترك أطفالها مع جارتها وتخرج يوميا إلى الساحة للبحث عن عمل غير مضمون، مستعدة للشجارات المتكررة التي تخوضها مع زميلاتها حين يقترب زبون ما لينتقي واحدة من “الواقفات” حسب شروطه، والتي تنتهي في أغلب الأحيان بتدخل من المارة أو الأمن في أحيان أخرى.

وبهذا الخصوص أكدت حنان بن رمضان، رئيسة جمعية دعم للنساء في وضعية صعبة بجهة الشمال، أن النساء العاملات في هذا المجال والذي تندرج أغلبهن في خانة مطلقات أو أرامل أو أمهات عازبات يشتغلن ساعات طوال من أجل ضمان لقمة العيش.

وشددت المتحدثة ذاتها، على ضرورة تسليط الضوء على هذه الشريحة وتدعيم الترسانة القانونية لتأطير عملهن وضمان حقوقهن المهنية والاجتماعية، وكذا التدخل لتعبئة المجتمع وتوعيته بقضايا النساء في وضعية صعبة.

وقالت بن رمضان، إن السعي من أجل إدماج خادمات الموقف مطلب ضروري تمسكت به الجمعية منذ تأسيسها، وذلك إيمانا منها بالدور المهم الذي تقوم به هذه الفئة في توفير خدمات مؤقتة نظير مقابل مادي، مؤكدة أن التقنين سيضمن لكل فئة حقها، وسيساعد على تنقية الميدان من الدخيلات اللواتي يقمن بتشويه سمعة النزيهات.

ومع توالي الضربات الموجهة لهذه الفئة، من اتهامات بممارسة الدعارة المقنعة واحتلال الملك العمومي عبر التجمع بالقرب من الساحة، عبّر سكان المناطق القريبة عن رغبتهم في منع هؤلاء النسوة من الوقوف نهائيا في ذلك الفضاء، مؤكدين حسب مجموعة من الشكايات أنه لم يعد موقفا لعاملات البيوت فقط، ولكنه صار موقفا لعاملات من نوع آخر، يتسترن في جلباب طالبات العمل المنزلي لغرض آخر.

وفي هذا السياق أوضح محمد سمير بروحو، المستشار الجماعي بمجلس الشمال، أن ظاهرة الدعارة المقنعة، صارت من بين المظاهر التي تعيق إعادة تأهيل الأماكن التي تجتمع فيها العاملات، مؤكدا أن هذا الأمر يحتاج إلى تدخل السلطات العمومية من أجل منع الوافدات من اتخاذ هذا المكان للبحث عن العمل أو أشياء أخرى.

أبرز سمير بروحو، أنه أصبح من الضروري مطالبة السلطات المحلية بمنع الوافدات من اتخاذ المكان للبحث عن العمل، مع توفير حراسة كفيلة بالحفاظ على الجمالية المنشودة لهذه الفضاءات التي تشكل متنفسا للمواطنين في ظل ندرة المساحات الخضراء في الوسط الحضري بالمملكة.

وبين الاتهام بممارسة الدعارة المقنعة والظروف الاجتماعية الصعبة، تبقى هؤلاء النسوة دون أي حل آخر يقيهن الجوع والعطش والبرد.

المصدر: صوت كثبان الصحراء بتصرف

vous pourriez aussi aimer