هل المغاربة فعلا يفتقدون ثقافة القراءة؟
رغم أن الكتاب والمثقفين بالمغرب يشددون في أكثر من مناسبة على أهمية ودور القراءة، لدى الفرد و المجتمع، ويؤكدون خطورة العزوف عنها، إلا أن وضعها في المملكة، لا يزال يبعث على عدم الارتياح.
وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الباحثين، أن تدني مستوى القراءة بالمملكة، يعزى إلى ضعف التربية عليها، يرى آخرون أن ذلك يعود إلى جانب القدرة الشرائية وتفشي ظاهرة الأمية داخل المجتمع.
مكتب الدراسات الديمغرافية والقانونية والإحصائية، سبق أن أنجز دراسة، حول القراءة بالمغرب، أشرفت عليها وزارة الثقافة، وبينت النتائج أن القدرة الشرائية من بين أسباب العزوف عن القراءة، كما جاء عدم الرغبة في المطالعة في المرتبة الثانية.
وأضافت الدراسة التي قامت بها، “إديسا” والتي شملت ما يزيد على 1150 شخصا، أن هناك فراغا في الإدارة الثقافية بالمغرب، خصوصا وأن معظم دور النشر تتمركز في المدن الكبرى، كالرباط والبيضاء، إلى جانب مدن كمراكش ووجدة وطنجة، في حين تنعدم في المدن الصغيرة وفي القرى.
وأشارت نتائج الدراسة، كذلك إلى أن المكتبيات بدورها تعرف تراجعا كبيرا، بنسبة 13 في المائة، بالمقارنة مع فترة التسعينيات، في ظل تفشي ظاهرة الاستنساخ الضوئي.
اللحياني علي، أستاذ اللغة العربية، في تصريحه لـ “سلطانة”، أرجع الأسباب التي قد تؤدي إلى عزوف الناشئة عن القراءة، إلى ” الانشغال بالمواقع الاجتماعية، وعدم ملاءمة الكتابات الإبداعية مع اهتمامات الشباب، وهذا إلى جانب انعدام الرغبة والتحفيز.
[soltana_embed]https://www.facebook.com/lectureaumaroc/posts/1741601232740041[/soltana_embed]
شبكة القراء بالمغرب، التي دأبت أن تُطلق مسابقات لتشجيع الناشئة على المطالعة، تشير إلى أن، “عدد القراء في الدول المتقدمة يفوق 20 كتابا لكل مواطن بشكل سنوي أي بمعدل كتابين في الشهر، بينما في المغرب لا نصل إلى قراءة كتاب واحد في السنة، ولا يتجاوز معدل القراءة بالمغرب عشرة صفحات سنويا”.
وتسعى الشبكة المغربية، إلى إشاعة القراءة عبر التحسيس وتحفيز الأطفال والشباب وعموم المواطنات والمواطنين على القراءة، وترسيخها مدخلا لتكوين المواطن الواعي والفاعل، إلى جانب التكوين وتعزيز القدرات والتوجيه والتأطير.
وتهدف كذلك إلى التأليف وإعداد الدراسات والتوثيق والنشر حول القراءة، ثم الدفاع عن قضية القراءة والتأثير الإيجابي في المنظومة التربوية لجعل المدرسة تتبنى ترسيخ ثقافة القراءة في المناهج التعليمية.
وفي السياق ذاته، انخرطت وزارة الثقافة، في مشروع “تحدي القراء العربي”، في 22 دجنبر الماضي، والذي أطلقته الإمارات المتحدة العربية، “أملا منها أن تتمكن المؤسسات التعليمية بالمغرب بالارتقاء بالتحصيل العلمي لدى المتعلمات والمتعلمين”.
ويهدف هذا المشروع، “إلى تشجيع القراءة لدى التلاميذ في العالم العربي، عبر التزام أكثر من مليون متعلم ومتعلمة بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي، ويسعى كذلك الى الوعي بأهمية القراءة وتطوير المهارات اللغوية والتواصلية لدى الناشئة”.
وفي ظل غياب سياسة خاصة بالكتاب والقراءة بالمغرب، يقول عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب العرب “إننا نعيش في خضم تحولات كونية رهيبة، تفرضها الثورة التكنولوجية والرقمية الجديدة، الأمر الذي سيضاعف من أزمة القراءة في مجتمعاتنا، موازاة، أيضا، مع ما يتيحه العالم الافتراضي من إمكانيات قد تؤثر سلبا على القراءة الهادفة وعلى التربية والذوق السليمين”.
وأكد العلام في تصريح لـ “سلطانة”، أن “كل المبادرات والبرامج والتجارب العلمية الجميلة والمؤثرة والهادفة إلى النهوض بالقراءة وترويج الكتاب، سرعان ما تصاب في بلادنا بالفشل، لعدم استنادها إلى مخططات محكمة ودقيقة، أو لعدم توفر النوايا والإمكانيات اللازمة لاستمرارها”.
ويكفي أن نذكر، على سبيل المثال، بحسب المتحدث ذاته، “أن الخطة الوطنية للقراءة والكتاب التي أعدتها وزارة الثقافة بالمغرب منذ سنوات، لكنها لم تر النور إلى يومنا هذا، دون أن أعرج على مبادرات أخرى، لم تكد تنطلق حتى توقفت، بفعل سياسة الإلغاء والمحو التي تعتمدها كل حكومة تجاه مخططات وبرامج سابقاتها”.
ويعتبر العلام، “أن أزمة القراءة أو ضعفها لا يجب أن ننظر إليها في أبعادهما المباشرة فقط، أي تلك المرتبطة بما سبق ذكره من عوامل ومسببات، بل أيضا في ارتباطها بالتطور الحاصل في بنيات مجتمعاتنا العربية، أي بضرورة اعتبار القراءة سلوكا مجتمعيا وفعلا بيداغوجيا، يجب ربطه بالسياسات التنموية في بلادنا العربية، هته التي تبدو سياسات فاشلة في عمومها”
وذكر أن الوضع الحالي للقراءة في مجتمعاتنا “يستوجب بذل مزيد من الجهود من أجل تحقيق نهوض فعلي بقطاعات التربية والتكوين والشباب والثقافة والمجتمع المدني، من أجل أن ندفع بالمجتمع ليس فقط إلى محاربة الأمية والإقبال على القراءة، بل نحو امتلاك المعرفة والإسهام في إنتاجها”.