الأساليب التربوية بالمغرب تكرس عدم الثقة بالنفس
يقول “جوستاف لوبون”: من وثق بنفسه لا يحتاج إلى مدح الناس إياه، ومن طلب الثناء فقد دل على ارتيابه في قيمة نفسه، فالثقة بالنفس إذن والاعتماد عليها شرط جوهري، يعد من أهم مكونات بناء شخصية الإنسان.
ويَحُث الباحثون في علم النفس على تعويد الأطفال منذ مرحلة الطفولة على الاعتماد على النفس، وعدم الاعتماد على أحد، لأن ذلك حسبهم من شأنه أن يمكنهم من القدرة على العيش مستقلين بأنفسهم غير متكلين على أحد سواهم.
وفي هذا الصدد حاولت “سلطانة”، استقاء آراء الباحثين المغاربة في علم النفس حول دور زرع الثقة بالنفس عند الأطفال المغاربة، وعن دور التربية في زرع هذه الثقة وما يترتب عنها في مستقبل الناشئة.
حق التلميذ في ارتكاب الخطأ..
لطفي حضري، مختص نفسي، يري أن للتربية والمدرسة دورا أساسيا في زرع الثقة في الأبناء، لكن في المدرسة المغربية نجد أن الأستاذ يطلب من تلميذه قبل أن يجيب، أن يكون جوابه صحيحا، ويستهدف المجتهدين في الصف دون غيرهم.
وذكر أن أخطر ما يوجد في مفهوم التربية هو عدم إعطاء التلميذ حقه في الخطأ، مع العلم أن التربية في الأساس تقوم عليه، مشيرا إلى أنه، عندما لا نعطي التلميذ الحق في أن يخطئ ويصحح الخطأ فهذا “من بين الأسباب التي تؤدي إلى عدم تقته بنفسه، وهذا ما نجده في تربيتنا وللأسف”، يقول حضري.
ومن ناحية أخرى، اعتبر حضري أن الخوف من الأحكام من بين أسباب عدم الثقة بالنفس، لأننا نخاف أن يحكم علينا الآخر، مستحضرا عوامل أخرى كالقلق على الامتحان، أو الخوف من الأستاذ، معتبرا أن المنظومة في عموميتها “تتسبب في عدم الثقة بالنفس”.
عدم الثقة يشكل عقدة نفسية..
ويقول مصطفى السعلتي، المختص في علم النفس الاجتماعي، إنه يحدث أن تجد التلاميذ في مختلف مراحل العمر لا يستشعرون الثقة بالنفس، رغم أنهم في بعض الأحيان، يمتلكون قدرات ذكية ومهارات، لكنهم يكونون ضحية صور سلبية يحملونها حول أنفسهم، ولا تعكس الحقيقة والخصوصيات التي يملكونها، وبالتالي فهذه الثقة تؤثر بشكل كبير على مسارهم الدراسي والمهني، كما يمكن أن تشكل لهم عقدة نفسية وتجعلهم يشعرون بالنقص والدونية.
وقال “إن الذي لا يثق بنفسه يمتلك ما يسمى بـ”العجز المكتسب”، بمعنى أنه لا يستطيع أن يغير الأشياء، ولا يستطيع أن يحل المشاكل، هذه الأفكار السلبية حول نفسه تولد لديه مشاعر سلبية، ويفسر كل الأشياء التي تحدث له، ويعطي لها تصورا سلبيا، إلى جانب أنك تجده في الغالب ينظر إلى العالم بنظرة تشاؤمية.
“فعدم الثقة بالنفس قد تؤدي بحسب الأبحاث السيكولوجية إلى الاكتئاب والحالة العصبية والتوتر والحزن والقلق، فأعراض عقدة عدم الثقة بالنفس، يؤثر كذلك على المردودية في المجال الدراسي وفي المجال المهني”
فالذي لا يثق في نفسه، وفق السعلتي، لا يمتلك الاستقلالية حتى على مستوى الحكم على تقييم ما يقوم به، وبالتالي يصير ضحية بسهولة كبيرة للانتقادات والأحكام التي تأتي له من الآخرين. “وفي الواقع المغربي نلاحظ أن غياب الثقة بالنفس راجع إلى العوامل التربوية بمعنى أن الأساليب التربوية التي تمارس في المجتمع المغربي، تكرس أساليب عدم الثقة بالنفس”، يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي.
العلاج المعرفي السلوكي..
وأكد السعلتي أن علاج مشكل الثقة بالنفس ليس أمرا مستعصيا، حيث إن هناك ما يسمى بالعلاج المعرفي السلوكي، الذي هدفه إلى استبدال هذه الأفكار السلبية بالأفكار الإيجابية، بمعنى أن الإنسان يمكن أن يغير الصورة التي يحملها على ذاته من خلال مجموعة من الوسائل العلاجية، أو من خلال أخصائين في علم النفس، من خلال محيطه الجميل، الذي يمكن أن يساعده على تصحيح تلك الأفكار السلبية التي يحملها على نفسه.
الباحث استحضر كذلك، قول سينغمان، الذي يعتبر أنه يمكن أن نحول الإنسان من وضعية التشاؤم إلى نظرة التفاؤل، خاصة إذا غيرنا له النظرة التي ينظر بها إلى نفسه، واستعادة الثقة بالنفس والإيمان بقدراته وإمكانياته.