حرق المغاربة لأجسادهم أحياء… ظاهرة تنبأ بالخطر
بعد إقدامها على حرق نفسها احتجاجا، أعادت “مي فتيحة” البائعة المتجولة المنتمية للطبقة الكادحة، إلى أذهان المغاربة نقاشا طالما تداولوه في صمت، ليجهروا به بعد حادثتها واقعيا وافتراضيا، ويقررا الخروج احتجاجا على ما لحقها من إهانة كان السبب فيها إحساسها بـ “الحكرة”.
“مي فتيحة” التي حظيت بهذا الاهتمام الإعلامي الكبير بعد أن أسلمت الروح إلى بارئها متأثرة بالحروق التي أصابت جسدها، ليست الحالة الأولى ولا الأخيرة في المغرب، فهي السادسة على مستوى هذا العام، أما الحالة السابعة، فهي المتعلقة بشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يقطن بالمدينة نفسها، القنيطرة، أضرم النار في نفسه تذمرا من معيشته أول أمس.
7 حالات خلال 4 أشهر
بالإضافة إلى كل من “مي فتيحة”، شهدت فاس في الخامس من أبريل الجاري إقدام شاب يبيع الفراولة على إضرام النار في جسده، احتجاجا على تعامل قائد كان قد تسبب في سجنه لمدة شهرين سابقا، كما قام تلميذ بالمدينة نفسها في بداية الشهر ذاته بإضرام النار في جسده بعد طرده من المدرسة وهو في سنته الختامية، الباكلوريا، بعد رفضه لقرار فصله من الدراسة.
حالة أخرى احتجت على عدم منحها شهادة السكنى، ويتعلق الأمر بمواطن يقطن بالبيضاء، أضرم النار في جسده في منتصف الشهر الماضي، وذلك داخل مقاطعة تابعة لعمالة الحي المحمدي عين السبع، ليفارق الحياة متأثرا بحروقه.
أما الحادثة الأكثر شهرة خلال شهر مارس، فهي المتعلقة بامرأة أقدمت على الفعل ذاته يوم الاحتفاء بـ “عيد المرأة” الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، وذلك بحرق جسدها قرب البرلمان في الرباط، وقبلها أقدم بائع متجول آخر على إضرام النار في جسده، وهذه المرة داخل محكمة بمدينة أكادير، احتجاجا على رفض القضاء دعوى تقدم بها ضد حارس ليلي قام بتكسير عربته اليدوية.
عودة الظاهرة إنذار للمسؤولين
حالات هذه السنة، تشبه حد التماهي حالات عشرات الأشخاص الذين أقدموا على الفعل ذاته والاحتجاج بالطريقة نفسها في السنين القليلة الماضية، وذلك منذ أن تفجر الربيع العربي بعد احتجاج البوعزيزي عبر حرق ذاته.
ويرى المحلل الاجتماعي، رشيد جرموني، كون الظاهرة تعبير صريح عن احتقان اجتماعي له مسببات موضوعية تدفع مواطنين للتعبير عنه عبر حرق ذواتهم أحياء، ويراها أقوى صورة لإيصال صوتهم الذي لم يسمع، والطريقة الأقسى للتعبير عن الاحتجاج، ولعلها صوت للتعبير عن إدانة اللامساواة والقمع الذي يتعرضون له، دون أن ينفي أن هناك حالات تفعل ذلك لأسباب شخصية.
وبالرغم من الدينامية التي يعرفها المغرب، تظل الفروقات الطبقية والتوزيع غير العادل للثروات سببا أساسيا، حسب الجرموني، في احتجاج الكثيرين بتلك الطريقة القاسية، وهي طريقة أصبحت تلقى مساندة اجتماعية على الرغم من تنافيها مع معتقدات المغاربة ودينهم، إلا أنها أصبحت في نظرهم الطريقة المثلى التي ستخلصهم من حياة قاسية وتلفت في الوقت ذاته انتباه المسؤولين لمعاناتهم، جسب تعبيره.