قواعد في تدبير الخلاف بين الإخوة
المحامي عبد المولى المروري
كثيرا ما تحدث في البيت الأسري خلافات ونزاعات وخصومات بين الإخوية، قد تكون بسيطة وخفيفة، وقد تكون حادة ومعقدة.. وهذا أمر عادي وطبيعي بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر بين الإخوة والطبائع والشخصيات .. وكذا المصالح والرغبات التي قد تتعارض بشكل كبير ..
وهنا يظهر دور الأبوين في إدارة هذا الخلاف وإيجاد حلول عادلة ومنصفة للجميع. إلا أنه للأسف الشديد غالبا ما ينزلق الأبوان أو أحدهما إلى الانتصار إلى أحد الإخوة دون الآخر، إما جهلا بطرق حل الخلاف، أو تعاطفا مع الضعيف أو الأقرب إلى قلب أحد الأبوين.. وهذه من المحاذير والأخطار التي يقع فيها الأبوان والتي تزيد من حدة الخلاف وارتفاع منسوب التوتر الذي قد يصل إلى الحقد والضغينة والكره المتبادل.. فيصبح البيت الأسري عبارة عن حلبة صراع وخصومات مستمرة وأحلاف متصارعة..
لذلك، على الأبوين أن يضعا قواعد وضوابط لحل هذه الخلافات التي تنشب بين الإخوة في إطار العدل والأنصاف والحياد والموضوعية، مع حفظ كرامة الجميع دون تبخيس أو تحامل ..
1/ الانتصار لقيمة الأخوة الدائمة، بدل الانتصار لابن على حساب ابن آخر :
يجب أن يُعَلِّم الآباء أبناءهم أنه مهما كانت طبيعة الخلاف وحدته، فلا يجب أن يكون ذلك على حساب الأخوة التي تجمعهما والدم الذي يوحدهما .. فالرحم مقدسة، والأخوة دائمة، وما دون ذلك زائل وتافه ومنقطع .. فلا يجب أن تنتصر الأنا على الأخوة، ولا الذات على الأسرة، ولا المصلحة الشخصية على العلاقة الأسرية ..
لابد أن يشدد الآبوان على هذه القاعدة ويؤكدا عليها .. ويتأكدا أيضا أنها استقرت بما يكفي في عقول أبناءهم ووجدانهم.. وما عليهم إلا أن يترجموها إلى ممارسة وسلوك ومعاملة .. كل هذا قبل الدخول إلى نقطة أخرى.
2/ الالتزام بقاعدة الحياد والموضوعية: وهذا من الأمور الخطيرة التي تغيب عن العديد من الآباء .. فعندما يميل أب أو أم إلى ابن، سواء بسبب التعاطف أو بسبب الاعتقاد أن الحق إلى جانبه دون إقناع أو برهان .. فإن ذلك قد يتسبب في المزيد من التوتر الذي يصل في الغالب إلى حقد وضغينة وحسد .. ويتحول كل ذلك إلى وضع الدسائس والمكائد لا تحمد عواقبها ونتائجها .. وقد ينتقل ذلك إلى الأبناء والأحفاد ..
فعلى الأبوين أن يأخذا مسافة واحدة من الأبناء أثناء حدوث خلاف .. ويجب أن يكون ذلك واضحا في ذهن الأبناء ، حتى يشعروا بالطمأنينة والأمن .. وأن من يدير هذا الخلاف لن يحابي أحدا أو يساند آخر ، لا علنا ولا سرا ، فالعدل بين الأبناء واجب شرعي ، وضرورة اجتماعية ، وحماية نفسية .. ومتى اختل ميزان العدل داخل الأسرة ، اختل تبعا لذلك كل شيء .. الاحترام ، الأخوة ، الاهتمام ، الشعور بالأمان .. كل شيء يضيع في لحظة تساهل أحد الأبوين في تطبيق قاعدة العدل ..
وهنا قد يكون أحد الأبناء متسلطا، أو قويا، أو صاحب حجة ولحن في القول، قد يهيمن على أخيه ويحاول تمويه أبويه .. فيضيع حق الأخر الضعيف .. وقد يكون أخدهما يدعي الضعف والتمسكن لاستدراج تعاطف أبويه وإخفاء الحقائق عن طريق البكاء أو التباكي …
هذه من التحديات الصعبة التي تواجه الأبوين، حيث يصعب عليهما التمييز بين المعتدي والمعتدى عليه.. ففي هذه الحالة على الأبوين أن يتحليا بالصبر ويتسما بالحكمة .. وأن يدققا الأسئلة والبحث حتى يميزا بين الخطإ والصواب دون الوقوع في أسلوب التحقيق، فالأب ليس شرطيا أو محققا، ودون إصدار الأحكام، فالأب ليس قاضيا، ودون محاولة إيقاع الابن في التناقض والارتباك، فالأب ليس ماكرا أو مخادعا .. الأبوان هما عنوان الرحمة والعطف، هما موطن الأمن والأمان، هما منبع الرأفة والرقة.. فأين يجد الأبناء كل هذا إذا افتقدوه في آباءهم؟ لذلك فالبحث عن الحقيقة لفض الخلاف يجب أن يكون مفعما بروح الأبوة والأمومة، فالهدف ليس محاكمة الإخوة، بل تهذيبهم وتربيتهم وتصحيح معتقداتهم وتعديل سلوكهم، في إطار المحبة والرحمة والحفاظ على روح الأخوة داخل الأسرة…
3/ الاعتراف بالخطأ أحسن من الاضطرار إلى العقاب:
هذه نقطة مهمة جدا، فمن خلال النقاش والحوار – الذي يجب أن يكون هادئا وهادفا ومؤطرا من طرف الأبوين – ومع التحلي بمبادئ العدل والموضوعية، لابد أن يكتشف كل أخ خطأه، وعلى الأبوين أن يشجعاه على التحلي بفضيلة الاعتراف والاعتذار .. ولا يجب دفعه إلى العزة بالإثم والدخول في منطق التبرير والتهرب.. بتضييق الخناق عليه، لابد أن يشعر الإبن بأن الوقوع في الخطأ من ضروريات الحياة، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وبذلك يتعلم قوانين التعامل والمخالطة، ولا يعني اعترافه واعتذاره بمثابة نهاية العالم وتحطيم النفس والشخصية..
4/ التأديب ليس هو الانتقام:
أنا لا أنصح بمعاقبة الطفل في حال اعترافه بخطأه واعتذاره عليه، بل يجب مسامحته وتجاوز الأمر مع التأكيد على عدم التكرار … لأنه إذا عوقب بعد اعترافه واعتذاره ، سيلتجئ في المرة المقبلة إلى الاعتزاز بخطإه وتبريره ، أو عدم اعترافه بالخطأ تفاديا لتعرضه للعقاب.
وحتى إذا اضطر الأب إلى معاقبة المخطئ، فيجب أن يكون ذلك بعد اقتناع الابن بارتكابه ذلك الخطأ، وأن يكون هذا العقاب بنَفَسٍ تربوي وتأديبي، وليس بروح انتقامية يفجر فيها الأب عضبه وحنقه.. فالهدف هو تأديب الطفل لا تعذيبه.. والمبتغى هو تربيته لا تعنيفه .. فالعقاب كضرورة تربوية هو علاج لسلوك سيء .. وخلق منحرف .. يكون بالرحمة والرأفة .. وبالعدل والإنصاف ، وبالقدر الذي يحقق الهدف، ولا يخرج عنه ..
5/ إنهاء الخلاف بتوجيهات ونصائح تربوية:
لابد أن ينهي الأب هذا الخلاف بتوجيهات ونصائح تربوية تؤكد على أهمية الأخوة وقدسية الرحم .. وأن لا شيء يقف أمامهما أو يسمو عليهما أو يتغلب عليهما .. ثم يبين طرق حل الخلافات العائلية بالتي هي أحسن مع الاحتفاظ على القيم الإنسانية والأخلاقية .. وتجاوز صغائر الأمور .. التحلي يجزء من التضحية والصبر والتعقل لفائدة الحفاظ على وشائج الأخوة والمحبة .. وهذا كله يزيد من سعادة الأبوين وراحتهم .. بخلاف النزاع والشقاق بين الإخوة، الذي يحزنهم ويعذبهم …
فإذا كان الخلاف بين الإخوة أمر عادي وطبيعي .. فإن الخطورة في طريقة حله وكيفية تدخل الأبوين فيه .. لذلك الحذر الحذر .. ولتكن بيوتكم جنة بحسن تدخلكم.. ولا تجعلوها جحيما بسوء تدخلكم ..