الكوميديا السوداء..فن للتعبير عن السخط بشكل ناعم
يحتاج الإنسان في حياته إلى أن يضحك وأن يبتسم دائما،لأن الضحك يحررنا من نفسنا التي تتخبط وسط الضغوطات. وتعتبر الكوميديا أسهل طريقة لتغيير الرتابة التي خيمت علينا، باعتبارها فرصة لوضع الهموم جانبا وعيش لحظة مع الفن، لكنها ليست فقط من أجل الإضحاك بل هي أداة للنقد المجتمعي فتصبح بذلك كوميديا سوداء، يتعدى دورها مجرد عرض النكت وإنما طرح مواضيع تمس جميع شرائح المجتمع من خلال مناقشة تيمات مختلفة، سواء تعلق الأمر بالمشاكل المجتمعية، الصحة، التعليم، والقضايا السياسة حسب هامش الحرية الممنوح في كل بلد.
مما لا شك فيه أن كل بلد يعاني من مشاكل عديدة في مختلف المجالات، وبذلك تتباين طرق تناولها إذ هناك من يناقشها عبر مقالات صحفية، برامج حوارية، أفلام ومسلسلات ثم العروض الكوميدية والرسم الكاريكاتوري، لأنهما أحد انواع الفنون الساخرة، وتندرج تحت مسمى الكوميديا السوداء، أو الكوميديا المظلمة.
تعالج الكوميديا السوداء مواضيع مهمة وقاسية، وتناقش مشكلات مؤرقة في قالب كوميدي ساخر، يجعلك تضحك على ما يؤلمك. وحسب المتخصصين في هذا المجال فإنها تتميز عادة بالجرأة والفكاهة ولكن بعيدا عن الابتذال والشتائم، فهي ليست مجرد إطلاق للنكات، وإنما هي أحد الوسائل لنقد الواقع وتشكيل وعي الناس عن طريق السخرية من الأوضاع المعيشية.
وهذا ما نلحظه من خلال أعمال العديد من الفنانين المغاربة، إذ نذكر على سبيل المثال الفنان الساخر المغربي أنور خليل، الذي ألف كتابا بعنوان ‘ يوميات بوجمعة’ موظفا فيه الرسوم الكاريكاتويرية ، حيث عمد إلى وصف وضع الأطفال المغاربة في العائلات الفقيرة بطريقة ساخرة ومضحكة. وهذا ما ناقشه أيضا في إصداره الأول ” ببيتنا ضيوف سنأكل اللحم”، حيث وضع اليد على الوضع المعيشي المزري الذي تعيشه أغلب الأسر، والذي يمنعها من تناول طبق من الللحم بسبب الفقر، حتى يكون بالبيت ضيوف، فيفرح أطفال البيت بذلك فرحا عارما.
إنتاجات الفنان أنور خليل لم تتوقف عند هذا الحد، إذ ساهم من خلال المحتوى الذي شرع بإصداره على منصة اليوتيوب خلال فترة الحجر الصحي في توعية الناس بأهمية الإلتزام بتدابير الحجر الصحي، دائما بالاعتماد على الرسم الكاريكاتوري والعبارات الساخرة.
ويقول في هذا الصدد أن الفن الساخر يستهدف جميع شرائع المجتمع، لأنه يمثل رسالة توعوية ورسالة للتغيير والسخرية من بعض الظواهر الإجتماعية والسياسية، أولا لإثارة النقاش حولها وكذلك لمحاولة علاجها، مضيفا بأن الفن الساخر يساهم بشكل كبير في تشكيل وعي الناس وصناعته خاصة وأن المغاربة يعتمدون على السخرية في مناقشة مختلف الحيتيات اليومية.
وفي سؤال عن كون الفن الساخر أداة لامتصاص غضب الناس وترويض النفس على المعاناة، يجيب الفنان خليل:” الشعوب التي لها مستوى جيد في الفن الساخر هي الشعوب التي بلغ بها القهر والمعاناة مبلغا، حتى اصبحت تستهين بالواقع المعاش وتناقشه بسخرية، وكما يقول المثل المغربي ‘ كثرة الهم كضحك’، بمعنى أنه عندما تتزايد الهموم وتتراكم تصبح مدعى للضحك، وبذلك لا تؤثر علينا بشكل سلبي، ولكن لا أظن أن السخرية تمتص الغضب، لأن وقع السخرية هو أشد من أن نناقش الموضوع بطريقة عادية”.
وزاد قائلا بأن الفن الساخر هو “وسيلة لنقد الواقع المجتمعي والسياسي، مثلا قرارات الحكومة أو مسؤول معين، وهذا هو الحال بالنسبة لمسألة رفع الحجر الصحي، فإذا ناقشنا الأمر بشكل جدي فلن يكون أكثرا تأثيرا من قول ‘ الحكومة تنتظر هلال الحجر الصحي” ، يعني أن هذه الطريقة تجعل الناس يتابعون الموضوع وينجذبون اليه، سواء الفئة المستهدفة أو الشخص موضوع الإنتقاد.
شدد الفنان الساخر أنور خليل على أن هذا النوع من الفن هو نوع من أدوات التغيير الفعالة لإمكانية أن يشكل ضربا من ضروب الثورة لكن بشكل وصفه بالسلمي والناعم، إذ يقول :” نجد لذلك أثرا في ثورات الربيع العربي حيث إن أغلب الشعارات التي تم رفعها ذات طابع فكاهي وسخري، وكذلك الحال في الكوميديا المصرية فعندما يقول أحدهم ‘ عايز اتجوز’ فهي ليست فكرة تقتصر على الرغبة في الزواج فقط وإنما فيها مضامين أخرى تتلخص في كون الحكومة لم توفر مناصب الشغل وبالتالي عدم وجود بيت وكذلك مدخول يومي”. بذلك تكون حمولة ومضامين هذه الشعارات قوية، على اعتبار أن الفن الساخر يعتمد على قوة الفكرة، والقوة على تحويل المأساة إلى نكتة، وهذا ما يجعل من الفن الساخر ثورة سلمية بدون رفع الشعارات والنزول إلى الشارع، بل يمكنها أن تكون أكثر تأثيرا من ذللك من خلال مقال أو رسم كاريكاتوري، كما هو الحال بالنسبة لجبل علي مثلا والعديد من الكتاب الساخرين الذين استطاعوا استفزاز عدة أنظمة من خلال الرسوم الكاريكاتورية، وبذلك تمكنوا من تغيير بعض السلوكيات في مجتمعات عدة.
وإذا كان الفن الساخر يعكس الأوجاع الإجتماعية في لغة تبدو محايدة وطريفة، فإنها في واقع الأمر متمردة وتحمل بين مضامينها رفضا وسخطا.
كتبته: فاطمة الزهراء القاسمي صحافية متدربة