سلطانة

حتى لا تكون المرأة الحلقة الأضعف في زمن كورونا

لا أحد يمكن له أن يجادل أو يقف أمام فعالية الحجر الصحي وقدرته العلمية الموضوعية ، كوسيلة وحيدة لحد الآن القادرة على مجابهة فيروس مستجد، لا زال يمرح ويزحف في كل ثانية ودقيقة وساعة ويوم على البشرية، مخلفا وراءه عشرات الآلاف من المصابين من فئات عمرية متعددة ومتنوعة، ناهيك عن آلاف الضحايا الذين لم تسعفهم مناعتهم الطبيعية عن مجاراة الهجمات التي يحدثها داخل خلايا الجسم الضعيف، والتي تنعكس على السلامة الجسدية للمصابين، فيودعون الحياة بمراسيم دفن يغيب عنها الكل، أسرا وأقرباء، والتي توارثها البشر كل حسب ثقافته من جيل إلى جيل منذ آلاف السنين.

لكن وأمام الفعالية النسبية للحجر الصحي في كبحه للتوسع الوبائي بين مختلف الأفراد، أسرا وجماعات، بدأت تطفو بعض الظواهر النفسية والعقد الاجتماعية على السطح.

هذه الظواهر أماطت في مجملها اللثام عن مجموعة من القيم التي يدافع عنها الجميع، كالتعايش والعيش المشترك وحقوق النساء، وحقول الأطفال وغيرها من المفاهيم التي تحمل ثقلا وزخما كبيرا في المناسبات العالمية والأممية، خصوصا في فترة الرفاه والحياة الطبيعية العادية.

وتعدد التجاوزات التي تحدث داخل الأسر والتي تشترك فيها كل أسر العالم تقريبا، بحيث تتناسل علينا أخبار من مختلف الوكالات والمنابر الإعلامية الوطنية والعالمية علاوة على تقارير المصالح الامنية المختلفة، من ازدياد منسوب العنف ضد النساء والمرأة، بصفة خاصة في هذه الفترة الحرجة، بحيث يتم تعنيفها ماديا ونفسيا، ليس لشيء ما، فقط لأنها بحسب الترسبات الثقافية تعد الحلقة الأضعف في منظومة تشريعية لا زالت تعتبر هذا الكائن البشري الأنثوي مجرد جسد ضعيف، يحمل عقلا محدودا ، لا تستقيم معه مبادئ الحوار و التفاهم والتعايش!

فكيف لعماد الأسرة ومن أنجبت النساء والرجال وانخرطت في كل شيء، من أجل شيء واحد، هو توفير الحنان للأطفال، وتربية الأجيال. أن تصبح في نظر الجهل، مرتبة في درجة ثانية، وتوصف على أنها أنثى ضعيفة جسديا وعاطفيا وتميل للتعامل فقط في قراراتها ومواقفها وجدانيا.

الحجر الصحي في حقيقة الأمر هو مرآة لشخصية الجميع، الآباء والإخوة والأبناء، في علاقتهم بالزوجة والأمهات والأخوات، ومدى قدرتهم على تقدير متطلبات هذه الفئة النفسية والبيولوجية، واحترام رأي طرف، يختلف اختلافا جوهريا على الفكر الذكوري الخشن في كل شيء!

التعود على التجوال في الشوارع والمقاهي والملاهي لا يعني بتاتا تفريغ الحقد والملل وروتينية الحجر الصحي على الحلقة الأضعف في الاسرة وهي المرأة، بل الحجر الصحي، يجب أن يدفع بالبشر العاقل إلى مساءلة الذات، والتعرف عن قرب على الإكراهات التي تواجهها أغلب النساء في البيوت، سواء تعلق الأمر بتربية الأبناء أو القيام بالأعمال المنزلية الروتينية والمملة في نفس الوقت.

فعوض ممارسة البطولة الوهمية على أنوثة ضعيفة، حبذا لو تم خلق جو أسري عائلي، مبني على الحب والود وتجاوز الخلافات ، وعدم الوقوف على العيوب والأخطاء، وتقاسم المسؤوليات، وتشجيع المرح والفرح لأن ذلك له أهمية في تخفيف الضغط النفسي الذي سيحدثه هذا الحجر الصحي على المستوى النفسي المادي للجميع.

كما أن التعليم عن بعد عليه أن يكون فرصة لربط علاقة ودية مع الأبناء والبنات، لا الصراخ في وجوههم، ومحاولة فهم تغيراتهم النفسية والجسمية المرتبطة بفترة المراهقة، والوقوف عن كثب لاستكشاف نوعية شخصية هذه الفئة العمرية في هدوء تام، ومن تم يزداد التلاحم الأسري الفعال، والذي ساهمت التكنولوجيا الحديثة في خلخلته بشكل كبير، حيث أبعد التواصل اللغوي والحب الوجداني بين أفراد الأسرة والمجتمع ككل.

سماع تفشي العنف ضد النساء والأطفال في المنازل، لدرجة الوصول للإكراه النفسي والبدني، يعد من الأمور المقززة غير الأخلاقية التي تؤثر على سلامة الجميع، يجب التحلي بالطمأنة والطمانينة من خلال المحبة والتفاهم والود داخل الأسر، هذا الود في واقع الحال يجب أن ينخرط ويساهم فيها الجميع دون استثناء.

لا يجب إذن أن تنحرف الأمور فتتجه نحو المجهول والخطر، فتتزايد ظواهر العنف والعنف المضاد، والنفور من الآخر، وربما مع هذا الحجر يدفع بالبعض في التفكير بالانتحار، وتتسعع دائرة الصراع داخل الجسم الأسري ويمتد هذا النزاع للعائلات مما ينتج أو يؤدي إلى الطلاق، وما يصاحب ذلك من تشريد للجميع اطفال وأمهات، وحتى الأزواج لن يسلموا من النتائج النفسية والمادية لهذا التهور غير الحكيم في العلاقات التفاعلية داخل الأسرة، أو تدفع بالبعض إلى الخروج من البيوت والمنازل في فترة حرجة تزيد من احتمال إصابتهم بالعدوى الفيروسية القاتلة، وهو ما يزيد من زحف العقد النفسية واشتداد الأزمات الاجتماعية، الشي الذي ينهك العقل، والنفسية الفردية والأسرية والمجتمعية، بل ويساهم في استفزاز ومعاكسة المنظومة القيمية التي تتكثل في رزنامة حقوق الإنسان ككل.

هذا من الأمور التي لا تستقيم مع كينونة الطبيعة البشرية، المؤسسة على ضرورة استقرار العلاقات الأسرية والاجتماعية بشكل عام.

الكاتب : منير الحردول

vous pourriez aussi aimer