نساء يواجهن تكاليف الحياة بالرغيف في أزقة الرباط
الظروف القاسية هي القاسم المشترك بينهن، يوحدهن همٌّ واحد دفعهن للشارع، يتوزعن على مختلف الأرصفة وفي زحمة الشوارع لعرض بضاعتهن، الخبز والمسمن والبغرير، مأكولات لا تغيب على موائد الأسر المغربية، أصبح الشارع مطعما لها في الهواء الطلق، مدن مغربية وأحياء شعبية كلها تعكس واقع نساء أرغمتهن الحاجة والمسؤولية إلى البحث عن لقمة العيش خارج منازلهن.
ظروف قاسية:
إعالة الأسرة وتوفير أساسيات الحياة، أمر يدفع بالكثير من النساء إلى اقتحام الأرصفة، ليس رغبة منهن لكن قساوة الزمن على حد تعبير إحداهن هو ما دفع بهن لاتخاذ قرار إعداد أولى الرغائف الصباحية التي كانت نصيبا لأبنائهن، وشاءت الظروف أن يقدمنها على الأرصفة للمارة محاربة منهن للفقر والحاجة.
فاطمة حكت لـ “سلطانة” الظروف التي جعلتها تمتهن بيع الخبز في الشارع العام:” لم يكن القرار بالهين بالنسبة لي لأن الأمر ليس كما يبدو فالأمر يتطلب ساعات عمل طويلة من الإعداد والوقوف وملازمة الفرن، لكن الظروف أجبرتني على الأمر، فالبطالة التي يعاني منها زوجي كانت السبب الرئيسي في امتهاني بيع الخبز والمسمن والحرشة كما أن أولادي يدرسون وهم في حاجة ماسة لتلبية متطلباتهم”.
“جيت لهنا بالدموع”، هكذا تحدثت “فاطمة”، رغم أن الكلمات لم تكن كافية لتصف ظروفها والمعاناة اليومية التي تمر بها، كلمات عبرت عن الصراع الذي خاضته في البداية مع نفسها قبل أن تخبر جدة أولادها التي شجعتها وساندتها: “ملي كلتها لعدوزتي كاتلي نودي خدمي على ولادك أنا نعطيك المحال فين تخدمي”.
لا تقف المعاناة عند “فاطمة” أو غيرها عند مدينة وفي أي حي أو سوق يمكن أن تجد به شبيهات لها، تتغير الأسماء والوجوه لكن الجميع يلتقي عند نفس الظروف.
تتعدد الطرق التي تبيع بها “نساء الخبز” بضاعتهن إذ أضحت منتوجات أيديهن تنافس المخابز، بعضهن يلجأ الى عرض البضاعة باتفاق مع أصحاب المحلات التجارية الذين يعرضون خبزهن إلى جانب الأنواع الأخرى التي تصنعها المخابز.
“محمد” صاحب أحد الدكاكين الشعبية التي تلقى إقبالا كبيرا من سكان الحي لاسيما وأن أغلبية القاطنين به طلبة جامعيون، وشباب قادتهم الأقدار إلى الحي، ليجدوا ما يُذكّرهم بأمهاتهم: “في كل صباح تأتي لي بمنتوج يديها، النساء اللواتي فضلن البيع بهذه الطريقة عوض أرصفة الشوارع عددهن كثير، والأمر راجع إلى غلاء سومة كراء محلات تخولهن عرض منتوجاتهن”.
صرخة أمل:
“خديجة” التي التقتها مجلة “سلطانة” تتحدث بانزعاج واضح “واش كين شي فلوس فهادشي” هكذا عبرت عن رفضها الحديث في الموضوع، هي لا ترى في الأمر أي أهمية، مادام الأمر لن يتغير بحسبها، تبدو في عقدها الرابع، تظهر عليها ملامح القوة التي لم تمتنع عن إظهارها في كل كلمة تنطق بها، فقد صنعت منها الظروف امرأة حديدية.
الأمل يلازمهن كل يوم في شروق شمس التغيير التي ستختفي معها ظلام العوز المبرح، أمل علقنه على فلدات أكبادهن، وهن ينتظرن غدا ينسيهن بؤس واقع عشناه.
ففاطمة الام لشابين تنتظر اليوم الذي سيعوض فيه أبناؤها كل هذه التضحية، وتتوج بتركها عناء الوقوف اليومي وفرحة تنتصر بها على الظروف التي ستترك لا محالة ندوب الزمن في روحها.
الأمر لا يختلف كثيرا مع “نزهة” التي وضعت اسمها ورقم هاتفها على عربة استفادت منها في احدى المبادرات التي استهدفت هذه الفئة: “هذا رقم هاتفي في خدمة طلبيات زبائني لمن يريد كميات كبيرة”، هكذا علقت.
بهذه الطريقة طورت “نزهة” من عملها وتضاعف عدد زبائنها الذين أصبحوا غير مقتصرين على المارة فقط وقد أكدت ذلك بقولها: “عندي لكليان بزاف، ولي بغا شي حاجة تنوجدها ليه”، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الكيفية التي يتعامل بها الزبائن مع نساء الخبز.
نظرة دونية:
الخوف من نظرة المجتمع هو الحاجز الأول الذي يواجه “نساء الخبز” في البداية، خوف من نظرة تصوب من خلالها أسهم الشفقة والدونية في أحيان كثيرة، فالبحث عن لقمة العيش كلفهن التضحية على حساب نومهن وأوقات فراغهن وراحتهن.
تقول “نزهة”: “الكل يتعامل معي بطريقة جيدة فأنا مثلي مثل أي شخص يمارس التجارة ويتعامل مع الزبائن، فما الذي يدعو الى التقليل من شأن بعضنا”، الأمر الذي لم تنفيه “فاطمة” في إجابتها بالقول “كلشي تيتعامل معايا مزيان أنا بحال مهوم وهما بحال وليداتي”.
زينب الحريتي: متدربـة