سلطانة

صناعة الخزف بمدينة آسفي بين النشأة والتطور

تشتهر مدينة آسفي ومنذ زمن بعيد بصناعة الخزف، حيث تعتبر موطنا لهذا التراث التقليدي العريق المتسم بجودته وتميزه وفرادته بفضل مهارة وإبداع الخزفيين المحليين مما جعل إسم هذه المدينة الساحلية مرتبطا بهذا المنتوج الذي يحظى باقبال كبير من لدن السياح المغاربة والأجانب.

وتأخذ منتوجات صناعة الخزف، بعد مرورها من عدة مراحل، انطلاقا من تحضير الطين المستعمل لهذا الغرض، أشكال أواني غنية بألوان متناسقة ونماذج زخرفية تمنحها بريقا وجمالية، لتستعمل في أثاث التزيين، بالإضافة إلى بعض الاستعمالات المنزلية اليومية.

وارتبط التحول الذي عرفته صناعة الخزف بحاضرة المحيط في الحقبة الإسلامية وخاصة منذ بداية القرن الثاني عشر، بالعلاقة التي كانت تربط مدينة آسفي بعاصمة الموحدين مراكش، حيث كانت المدينة تشكل آنذاك الميناء الرئيسي للدولة الموحدية.

كما يرجع الفضل في تطور هذه الصناعة إلى استفادتها من خبرة أحفاد الصناع الخزفيين المنحدرين من الأندلس الذين استدعاهم السلطان يوسف بن تاشفين للعمل والاستقرار بمدينة مراكش بعد قيامه بر حلة استكشافية إلى مدينة غرناطة.

وفي نهاية القرن ال12، تم صنع إناء للشرب من الطين يستعمل من قبل الحجاج القادمين من آسفي المتجهين إلى مكة المنتظمين ضمن “طائفة الحجاج”، التي أسسها الولي الصالح دفين مدينة آسفي أبو محمد صالح في متم القرن الثاني عشر.

وجاء في كتاب “المنهاج الواضح لتحقيق كرامات أبي محمد صالح” لأحمد بن ابراهيم الماجري أن هذه الطائفة أعجبت بمنتجات الصناع المحليين وفي مقدمتهم الفخارين، واتخذت هذا الإناء الذي كان مطليا باللون الأخضر إلى جانب السبحة كعلامة للتميز عن باقي الحجيج.

واستنادا لما تواتر عن الحرفيين القدامى ( المعلمين)، فإن سكان آسفي كانوا يستعملون منذ القرن ال18 مجسمات مربعة لامعة ورقائق من القرمود لتزيين بعض البنايات، كما هو الحال بالمساجد والأضرحة التي يعود بناؤها إلى تلك الأزمنة.

وقد عرفت صناعة الخزف بآسفي اقلاعها منذ القرن 19، بفضل استفادتها من خبرة الفخارين الفاسيين، الذين تأثروا بدورهم بالصناع التقليديين القادمين من الأندلس الذين اختاروا الاستقرار بمدينة فاس مصطحبين معهم تقنيات جديدة.

وحسب ” المعلمين” القدماء المسفيويين، فإن الحاج محمد الغماز، أمين تعاونية الفخارين، استقدم إلى آسفي في القرن ال 18 أحد أحفاد هؤلاء الفخارين المنحدرين من فاس وهو الحاج عبد السلام اللانكاسي الذي ظل اسمه موشوما في تاريخ مدينة آسفي.

وسيبقى هذا الموروث المتسم بالتميز في شكله وألوانه شاهدا على عمق تاريخ هذه المدينة الساحلية وسفيرها في التظاهرات الوطنية والدولية.

vous pourriez aussi aimer