مغاربة ينثرون “الدفء” فوق أعالي الجبال
يمثل فصل الشتاء، فرصة للجمعيات المدنية في المغرب، لتنظيم رحلات وحملات إنسانية، من المدن المركزية، إلى القرى الهامشية في أعالي الجبال.
ويعاني سكان تلك المناطق من قسوة البرد والثلوج، ونقصان مقومات العيش، ما يجعل تلك الحملات رسالة تضامن اجتماعي بين أبناء الوطن.
ويعرف الشتاء، حركة دؤوبة بين نشطاء الجمعيات، من خلال إطلاق إعلانات وحملات جمع التبرعات العينية والنقدية من الأفراد، يتم إرسالها بعد ذلك إلى سكان المناطق النائية.
وتشد المئات من المنظمات، الرحال إلى ما يطلق عليه “المغرب غير النافع” أو “الهامش”، أو المغرب الأقسى (نسبة إلى القسوة) بدل الأقصى، بهدف تقاسم ولو ليوم واحد تلك اللحظات الصعبة مع من يعيشونه مدى الدهر.
دافع النشطاء في ذلك، غياب أبسط مقومات العيش الكريم، للمواطنين في أعالي الجبال، خاصة الأطفال حيث موجة البرد القارس تلفح وجوه براعم صغار، وترسم على وجناتهم الرطبة بقعة حمراء، تظل منقوشة على خدهم الغض وشاهدة بعد كبرهم على مرحلة قاسية من حياتهم.
ولوعورة الطريق وصعوبة المسالك للوصول حيث يعيشون، فنزول الأمطار القوية والثلوج الموسمية، تتسبب في قطع الطرقات البدائية، يضطر المواطنون جبرا للانقطاع عن العالم الآخر.
“جمعية إشراق للتنمية”، بمدينة أكادير، للمرة الرابعة على التوالي، تنظم حملة “دفء”، حيث تنقل أعضاء الجمعية من المدينة إلى منطقة “إمضراس”، التابعة لإقليم ورزازات جنوب شرقي المغرب.
ويقول رئيس الجمعية رشيد المعيفي، للأناضول، إن “الحملة تهدف لمساعدة هذه الفئة الاجتماعية الهشة على مواجهة قسوة البرد وإدخال السرور على قلوبهم”.
ويوضح أن “وفدا يضم 26 من أعضاء ومنخرطي الجمعية، توجه إلى المدينة، لتقديم مساعدات استفاد منها أزيد من 400 شخص، من رجال ونساء وأطفال منطقتي امضراس وتكنيت، الواقعتين قرب جبال الأطلس الصغير”.
ويسرد المعيفي، مسار الرحلة، بالقول “قضينا 11 ساعة بين الطرقات، منها 3 ساعات في منعرجات مرتفعة خطيرة، لأن الطرق غير معبدة، والوصول إلى الوجهة ليس سهلاً، لكن الطموح كان أقوى من العقبات”.
ويضيف “وصلنا إلى أمضراس، هناك حيث تعيش 70 أسرة فقط، المرأة هي عُمدة القرية، لأن الرجال يسافرون إلى المدن البعيدة عن قريتهم للبحث عن لقمة العيش”.
ويشير المعيفي، إلى أن “الحملة لم تقتصر على المساعدات الإنسانية، بل تضمنت رسم لوحات جدارية على أقسام المدرسة، وتوفير مكتبة مع مجموعة من القصص والكتب، كما وهبت الجمعية حاسوبين لتعليم التلاميذ أساسيات المعلوميات”.
بدورها، قالت رئيسة جمعية القلوب الرحيمة، حسناء أزواغ،: “نظمنا خلال هذه السنة فقط على 32 حملة تضامنية، وزعت خلالها آلاف الكيلوغرامات من الاحتياجات الغذائية والملابس على المحتاجين”.
وتحدثت للأناضول، عن الإقبال المحمود للمتطوعين والمحسنين، للمشاركة في المساعدات التي ترسلها الجمعية للقرى والمناطق النائية في أعالي جبال المغرب، فضلا عن المحتاجين داخل المدينة.
وتؤكد أزواغ، أن “المساهمات التي تصل للجمعية عقب نشر الإعلانات بخصوص فتح الباب لاستقبالها، تؤكد أن هناك قلوب رحيمة في هذا العالم، وأن الخير في الكون باق”.
وتضيف “هذه الحملات والجهود لزرع روح التضامن والتكافل الاجتماعي بين كل مكونات بلدنا، والالتفات إلى فئات فقيرة هشة، تسكن في أعالي الجبال، قدرها ذلك، لكن المشترك بيننا هو أن نكون جسدا واحدا”.
تحدثت أزواغ عن آخر حملة تضامنية، بالقول “توجهنا إلى منطقة بني عروس، وهي قرية جبلية شمال المغرب، تبعد عن مدينة طنجة بـ 95 كلم، 40 منها، على طرقات غير معبدة وصعبة، خاصة أننا واجهنا الأمطار التي عرفتها المنطقة مؤخرا”.
وحول الوصول إلى المدينة، تشير إلى أن “أعضاء ومتعاطفي الجمعية، كان هدفهم إيصال مساعدات المحسنين إلى المحتاجين، رغم كل مشاكل الطريق، خاصة أن العودة كانت أصعب، حيث غاصت عجلة الشاحنة في الوحل، ما اضطرنا إلى طلب مساعدة بلدوزر لإخراجها”.
وتصف رئيس الجمعية، المنطقة بأنها عبارة عن “منازل تراها مثبتة في الجبال، ساكنوها يغمرون ببراءتهم ونبلهم وطهرهم المكان، كرماء رغم الفقر”.
وتضيف “فرحة الناس هناك كانت عارمة، شعورهم تستشفه من أعينهم، التي تغمرها دمعة الإحساس أن أبناء جلدتهم لم ينسوهم، وأن الأيادي البيضاء لا زالت تنثر بجودها كرما تدفئ به برودة فصل شتاء صعب عند قاطني أعالي الجبال في المغرب”.
جدير بالذكر أن السلطات المغربية، تقيم موسميا عند اشتداد موجة البرد، مستشفى عسكري ميداني بقرية واويزغت، في إقليم أزيلال، من أجل الوقوف إلى جانب سكان المناطق المعزولة جراء سوء الأحوال الجوية، للعناية بصحتهم المتضررة.
غير أن الجهود الرسمية وحدها لا تكفي، لذا تبادر الجمعيات غير الحكومة إلى تنظيم الحملات التضامنية، رغم وجود إشكال قانوني، يتمثل في أن الجمعيات الحاصلة على صفة “المنفعة العامة”، هي فقط من يحق لها جمع التبرعات، غير أن السلطات تغض الطرف فيما يتعلق بتلك الحملات.