“رمانة”.. أول مقهى ثقافي ممزوج بعبق التراث الفلسطيني
في بيت عتيق يعود تاريخ بنائه إلى ما يزيد عن 100عام، وسط البلدة القديمة في مدينة رام الله بالضفة الغربية، افتتح شبان فلسطينيون مقهى ثقافيا يعد الأول من نوعه في المدينة، أطلقوا عليه اسم “رمانة”، بحسب وكالة الأناضول.
و”رمانة”، حسب رائد الحموري، أحد القائمين عليه، مقهى ثقافي غير ربحي، يشهد نشاطات فنية وموسيقية وأدبية، يحتضنها بيت فلسطيني يعد واحدا من أقدم بيوت رام الله.
ورغم أنه لم يمض على افتتاح “رمانة” سوى بضعة أسابيع، إلا أنه حظي باهتمام كبير من الإعلاميين والكتاب والمثقفين، وحتى عامة الناس.
وعن “رمانة”، يقول الحموري (31عاما)، الذي يعمل موظفا في إحدى المؤسسات الأجنبية برام الله: “مكانٌ تستطيع فيه أن تقرأ، أو تتصفح الجريدة، أو تدرس، أو تستجم؛ حيث لا ضجيج سوى الموسيقى الهادئة الرصينة، أو صوت ارتشاف القهوة، أو همس الحجارة القديمة (لبنات بناء البيت) تروي حكايات من السلف الماضي”.
ويضيف: “رمانة مكان أو مساحة للجميع للقراءة والعمل والهدوء ومشاركة الآخرين، يتم فيه عقد المحاضرات والندوات، واستضافة كتاب وموسيقيين وشعراء؛ باختصار هو مساحة لأي فكرة غير ربحية”.
ويضم “رمانة” ثلاثة أقسام، حسب الحموري؛ أهمها مكتبة متواضعة تحتوى على نحو 700 كتاب في مجالات متنوعة تشمل الأدب والفن والثقافة والعلوم والمراجع، ويمكن لأي من رواد المقهى استخدامها، والجزء الثاني عبارة عن مساحة مخصصة للجلوس، وهي تتسع لنحو 60 شخصا.
أما الجزء الثالث فهو عبارة عن كافتيريا (مطعم) تقدم المشروبات والوجبات الخفيفة للرواد، والتي تعد مصدر الدخل الوحيد للملتقى.
اسم “رمانة” استقاه القائمون على المقهى من ثمرة الرمان، فهذه الثمرة غنية بالتفاصيل التي تدلل على التنوع الحيوي، كما أن للكلمة والثمرة مدلول شعبي فلسطيني.
وحول فكرة المقهى، يقول الحموري: “فكرتنا تقوم على مكافحة النمط الاستهلاكي السائد، رمانة لا يهدف للربح، فكل من يعمل به متطوعا، ونحن نقدم الوجبات الخفيفة والمشروبات بأسعار بسيطة”.
ويضيف: “حاولنا المزج بين المقهى والكافتيريا والمكتبة والملتقى الثقافي”.
ويفوح من “رمانة” عبق التاريخ الفلسطيني العتيق؛ فإضافة إلى كون البيت، الذي يحتضن المقهى، بيت تاريخي، حافظ القائمون على رمانة على الروح التراثية القديمة في أثاثه البسيط، إذ أعاد الشبان تدوير قطع من الأخشاب في صناعة ديكور وقطع أثاث من التراث العربي الفلسطيني.
ففي الطابق العلوي، الذي يطلق عليه الشبان اسم “العلية” (الغرفة الأعلى)، تتواجد جلسة عربية (عبارة عن بسط وفرش أرضي).
وعنها يقول الحموري: “تعد العلية جزء أصيل من البيت الفلسطيني، وفكرتنا من تجهيزها في المقهى هو الحفاظ على تراثنا أيضا”.
أما الطابق الأرضي من المقهى فهو عبارة ثلاثة أجزاء؛ المكتبة، والكافتيريا، والجلسة (مكان للجلوس).
وحرص الشبان عند تصميمهم مقاعد وطاولات الجلسة على أن تكون من الخشب، وعلى النمط التراثي.
عبق التراث تستشعره، أيضا، في الوجبات التي يقدمها المقهى؛ فهناك: “العجة” و”القلاية”، و”المفركة” و”شطائر الزعتر وزيت الزيتون”، و”المقلوبة”، وهي وجبات تراثية من المطبخ الفلسطيني.
البيت، الذي يحتضن المقهى، يقع وسط البلدة القديمة من رام الله، وهو اختيار مقصود من القائمين عليه؛ حيث يمنح الزائر الفرصة إلى المشي سيرا على الأقدام، والمرور بأزقة رام الله الضيقة، ومشاهدة مبانيها العتيقة.
رواد “رمانة”، حسب الحموري، من كافة فئات المجتمع؛ فهناك الطلبة والفنانون والمثقفون والموظفون، وهناك رواد من البسطاء أيضا.
يقول الحموري: “لقد سئمنا من المقاهي المخصصة للفنانين والطبقات المصنفة، هنا مقهى ومساحة لأي شخص كان”.
ويشير إلى أن الإقبال على “رمانة” كبير رغم حداثة افتتاحه، “وفي بعض الأوقات لا يتسع البيت لرواده”.
ويضيف: “لسنا برجوازيين ولا فنانين، نحن شبان بسطاء لا يميزنا سوى أننا بادرنا بهذه الفكرة”.
في إحدى زوايا “رمانة” كان هناك ثلاثة من الأصدقاء، يتبادلون الحديث، ويناقشون مشروعا خاصا بهم.
وعلى طاولة مجاورة لهم، تجلس إحدى الفتيات، وكان يبدو انها منهمكة في إنجاز عمل بحثي ما.
الفتاة اسمها جنان سلوادي ( 22 عاما)، وهي تعمل موظفة في المتحف الفلسطيني.
وحول سبب تواجدها في “رمانة”، تقول جنان لـ”الأناضول” إنها تستغل هدوء المكان في إنجاز بحث خاص بها، مستعينه ببعض الكتب المتواجدة في مكتبة المقهى.
وتضيف: “رمانة مكان هادئ ويمتاز بجماله، ووجوده برام الله القديمة ميزة إضافية، رمانة مختلف عن باقي المطاعم والمقاهي، وأهم شيء أنه بعيد عن تلوث المدينة، وصخبها المزعج”.
وتستطرد: “أشعر بانتماء لرمانة؛ فهناك مكتبة مفيدة، وغالبية رواد المقهى تربطني بهم معرفة وصداقة، بالإضافة إلى أن أسعاره متواضعة مقارنة مع باقي المقاهي”.
تبتسم الفتاة بينما كانت تتبادل أطراف الحديث مع زميل لها، وتقول: “ما يحققه المقهى أو البيت (كما تسميه) من أرباح بسيطة تعود بالنفع على المجتمع المحلي من طلبة محتاجين وغيرهم”.
وتضيف: “أعتقد أننا كنا بحاجة إلى مثل هذا البيت منذ زمن”.
إياد صادق (طالب جامعي) يزور الملتقى لأول مرة.
وعن ذلك يقول لـ”الأناضول”: “فكرة مقهى رمانة غريبة، لكنها قريبة جدا للشباب؛ أن تجد مقهى ومكتبة في بيت قديم وبأسعار بسيطة، هذا بالتأكيد أمر محبب”.
ويضيف: “سمعت عن (رمانة) من زملائي في الجامعة، أحببته وحتما سأكون من رواده الدائمين”.
وعبر حساب لـ”رمانة” على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، يسوق القائمون على المقهى لضيوفهم من كتاب وشعراء وأدباء، كما يسوقون لقائمة الوجبات اليومية.
ويؤكدون أنهم يرفضون التمويل الخارجي، ويحرصون على خلو المقهى من أي منتجات غير فلسطينية.