سلطانة

عبد الصمد الكنفاري.. نابغة المسرح المغربي

رأى المسرح المغربي النور بفضل الشغف والعشق الذي سكن قلوب مجموعة من الفنانين والمبدعين ، ومن ضمنهم الراحل عبد الصمد الكنفاوي، أحد رواد المسرح بالمغرب ، ومكون الجيل الأول من المسرحيين والمبدعين المغاربة .

الكنفاوي، الذي ولد بالعرائش في العام 1928، تابع دراسته الثانوية بثانوية مولاي يوسف بالرباط التي حاز منها على شهادة الباكالوريا في العام 1951 قبل أن يستكمل دراسته الجامعية في شعبة القانون.

والتحق في العام 1953 بمصلحة الشباب والرياضة كمنشط بورشات التدريب والتكوين المسرحية التي كان ينظمها مركز “الفلين” بغابة المعمورة بالقرب من الرباط.

وبالموازاة مع نشاطه التكويني الذي كان يباشره إلى جانب الطاهر واعزيز والفرنسيين أندريه فوازين وشارل نوغ، اشتغل الكنفاوي قيما على مكتبة المركز، وهو ما أتاح له تعميق مداركه في المجالات التي كان مهتما بها ولاسيما الثقافة الفنية والمسرحية.

وحمل العمل المسرحي الأول الذي أنتجه الكنفاوي اسم “الشطابة”، تلته أعمال أخرى مستوحاة من أعمال الكاتب المسرحي الفرنسي موليير، وعرضت مختلف هذه الأعمال بالمغرب وباريس غداة حصول المملكة على استقلالها في العام 1956.

وكتب الكنفاوي لاحقا العديد من النصوص المسرحية، من ضمنها عمله الفني المعروف باسم “بوكتف”، و”مولا نوبة” و “السي التاقي” و”سلطان الطلبة”.

كما انتقل إلى العمل المسرحي الإرتجالي من خلال نصه الذي يحمل عنوان “الارتجال على اللحية الزرقاء”، الذي قدم فيه رؤى متعلقة بالمشاهد المسرحية توفر هامشا للعب الإرتجالي على الخشبة.

وفضلا عن ذلك، كان عبد الصمد الكنفاوي ديبلوماسيا ومكونا للأطر النقابية وموظفا ساميا بوزارة التشغيل، وكاتبا عاما لمكتب التسويق والتصدير والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتمكن من خلال إنتاجه الأدبي (نصوص مسرحية وشعرية وجمع الأمثال) من الحفاظ على حريته الفكرية التي عكست روح فنان ملتزم.

وقاد هذا الإلتزام المسرحي المغربي إلى إنشاء وتنشيط المسرح العمالي بالمركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل في نهاية خمسينيات القرن الماضي.

ولا ينظر الكنفاوي الى المسرح كأداة ترفيهية فقط، بل باعتباره التزاما وموقفا. ومن أجل مواجهة الظلم، استغل السخرية التي تعد آلية قديمة للتعبير الجماعي واستلهم منها لغة مشفرة، ونقدية في مواجهة التفاوتات.

وكانت الرغبة في إنشاء مسرح حديث وأصيل في الوقت ذاته تحذو الراحل الكنفاوي، ومن خلال استعمال اللغة الأم (الدارجة)، كان يعبر عن حاجته الى تقريب نفسه بشكل ملموس من الحقيقة ومن المجتمع المغربي.

وتتميز لغة الكنفاوي باستعمال الاستعارة والمعاني، وهي تقنيات جعلت مسرحياته تزخر بأمثال وأقوال مستواحاة من التراث الشعبي المغربي.

وتمتح أعماله من التراث الوطني القديم ومن ثقافات أجنبية أخرى لاسيما الفرنسية منها، وقد كيف كتاباته على السياق المغربي وأغناها بخياله الخصب ومرجعياته الثقافية.

وهكذا، ترجم واقتبس “لفوربوري دو سكابان” وكيفه مع الواقع المغربي ليحمل اسم “اعمايل جحا”، فيما باتت مسرحية “تارتوف”، تحمل اسم “السي التاقي”.

وقد ميز هذا التلاقح الذي جمع بين الأصالة والانفتاح المشهد المسرحي المغربي الصاعد الذي كان له تأثير بالغ في أعمال مسرحيين كالطيب الصديقي واحمد الطيب لعلج وعبد السلام الشرايبي وادريس التاديلي، وأرسى الفن المسرحي في المشهد الثقافي المغربي.

وسعى الكنفاوي من خلال التزامه بالجمال إلى إرساء روابط متينة بين الفن والحياة، وهكذا صالحت أعماله بين القيمة الجمالية والالتزام والموقف وطبعت الحقبة التي تلت حصول المغرب على استقلاله.

ومن المقرر أن يتم تخليد الذكرى الأربعين لوفاة الكنفاوي في 31 مارس الجاري، وهو ما يشكل مناسبة للوقوف على الإسهامات التي قدمها رجل استثنائي للمشهد الثقافي المغربي.

vous pourriez aussi aimer