سلطانة

مقتل نائل.. بين العنصرية المتجذرة وورقة مارين لوپان الرابحة؟

أعادت حادثة مقتل الشاب نائل، البالغ من العمر 17 سنة، على يد الشرطة الفرنسية، يوم الثلاثاء الماضي، أثناء فحص مروري، طرح نقاش العنصرية المتجذرة في فرنسا التي يعاني من ويلاتها المهاجرون بصفة عامة والعرب والأفارقة بصفة خاصة، كما أثار إمكانية استغلال مارين لوبان لهذه الحادثة لتعبيد طريقها نحو الرئاسة.

بعد حادثة مقتل نائل ذي الأصول الجزائرية، خرجت والدته بتصريح مؤثر قالت فيه: “رأى وجها عربيا (في إشارة إلى الشرطي) لطفل صغير فأراد أن يسلبه حياته”.

وتابعت قائلة: “لم يكن مضطرا لقتل ابني، كان يمكن أن يلجأ إلى طرق أخرى للقيام بذلك، رصاصة؟ من هذه المسافة القريبة من صدره؟ كانت هناك طرق أخرى لإخراجه من السيارة”، متسائلة “إلى متى سيستمر هذا؟ كم عدد الأطفال الآخرين الذين سيقتلون على هذا النحو؟”، ومطالبة في ذات الوقت بتحقيق العدالة لابنها بقدر الجرم المرتكب “وليس بعد ستة أشهر، يكون (الشرطي) في الخارج”،حسب قولها.

وحسب دراسة سابقة أجراها معهد “إيفوب” للإحصاء حول الإسلاموفوبيا والعنصرية التي يتعرض لها المسلمون في فرنسا، أنجزت لصالح مؤسسة “جان جوريس”، فإن حوالي 60 بالمئة من النساء المسلمات المحجبات تعرضن لأشكال التمييز والعنصرية.

كما سبق وكشف تحقيق أجراه موقع “ثورة دائمة”، أن مظاهر الإسلاموفوبيا تنتشر حتى في المدارس، حيث أن العديد من طلبة الثانويات من أصول مسلمة وعربية يعانون من التضييقات خاصة في ظل الحملات التي يشنها اليمين المتطرف ضد انتشار مظاهر الإسلام في الأوساط التربوية.

وسجل موقع “ميديا بارت” الفرنسي، تزايد عدد الهجمات الموثقة والمعلنة ضد مساجد في فرنسا منذ سنة 2019، ناهيك عن تعرض العديد من المسلمين لمجموعة من الاعتداءات في سنة 2021، من بينهم من فضلوا عدم التبليغ عن ما تعرضوا له لإدراكهم أنهم سيهدرون طاقتهم ولن يجنوا أي شيء.

بدوره، أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير أصدره سنة 2022 حول المأساة التي يعانيها اللاجئون غير الأوروبيون في فرنسا، أن الأخيرة تقترف في حقهم ممارسات عنصرية وغير إنسانية خاصة حين أصدرت سلطاتها قرارها القاضي بطرد اللاجئين غير الأوروبيين من مراكز الإيواء لفسح المجال للاجئين الأوكرانيين.

من جانبه، أوضح تحقيق نشره الناشط الحقوقي جاك توبون، سنة 2017، أن احتمال تعرّض شباب سود أو عرب للتوقيف والمساءلة من قبل رجال الأمن تزيد 20 مرة عن احتمال تعرّض شاب أبيض لذلك.

كما ذكر تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، أن عمل ذوي الأصول الإفريقية ما يزال يُنظر إليه على أساس “لون البشرة”، حيث أكد الأشخاص الذين أجرى محققو الأمم المتحدة مقابلات معهم، أن هذه الصعوبات كانت موجودة بالفعل في العديد من المجالات حتى أثناء تعليمهم، وأوصوا بأن تبذل فرنسا المزيد من المجهودات لمكافحة الجرائم والتهديدات بالعنف بسبب الانتماء الديني من قبيل معاداة السامية وكراهية المسلمين.

وأصدر اليميني المتطرف إيريك زمور، (الأحزاب اليمينية في فرنسا تعرف بمعاداة المهاجرين وتؤمن بأن هناك مؤامرة تحاك لاستبدال الفرنسيين بأشخاص غير أوروبيين ومسلمين من الشرق الأوسط وإفريقيا ) كتابا تحت عنوان “فرنسا لم تقُل كلمتها الأخيرة”، والذي قال فيه إن “سياسة تذويب الأجانب داخل فرنسا تتطلب من كل أجنبي تجريد نفسه من أي انتماء ديني أو ثقافي أو اجتماعي سابق ليعيش فقط على الطريقة الفرنسية”.

وفي خضم هذه الأجواء الأمنية المتوترة والسخط العام على النظام الفرنسي الذي يكرس العنصرية ويدافع عن الشرطة في وجه الشعب، المطالب بأشكال احتجاجية ثورية بتحقيق العدالة لنائل، اغتنمت مارين لوبان الفرصة للتأكيد على دعمها للشرطة في مواجهة أحداث الشغب في البلاد، وعن رفضها سياسة ماكرون في التعامل مع هذه القضية الحساسة.

وقالت مارين لوبان في تدوينة على حسابها الرسمي عبر منصة فايسبوك: “من الواضح أن وفاة شاب يبلغ من العمر 17 سنة لا يمكن أن تترك أي شخص غير مبالٍ، لكنني مندهشة لرؤية أن رئيس الجمهورية لا يترك العدالة لتقوم بعملها” مشيرة إلى أن “تصريحاته غير مسؤولة”.

وترشحت مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، للانتخابات الرئاسية الفرنسية في سنة 2022، وهي المعروفة بمواقفها السياسية المعادية للإسلام، حيث أنها طوال مشوارها السياسي حرصت على التحذير من “خطر الإسلام الذي يهدد الثقافة الفرنسية”، كما خلقت الجدل في سنة 2010، بعدما شبهت صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال النازي لبلادها.

وهنا يطرح التساؤل، هل أعمال العنف ومقتل نائل هي الورقة الرابحة لتعبيد طريق السياسة أمام مارين لوبان وتحقيق حلمها في اعتلاء منصب الرئاسة الفرنسية؟.

vous pourriez aussi aimer