أيوب كريم.. شاعر يناجي نهرا يشرب ذاته
هو رجل يروض الكلمات حتى تركع لعاطفته، بملكة إلهية يناجي روحه ويسبر أغوارها، ويمزج الحقيقة بالمتعة، ثم يرسم بالألفاظ ما تنتقيه قريحته، فيصب فيها سيلا من العواطف التي تهز كيان القارئ وتغوص به في عالم حيث يفتح حوارا صادقا مع ذاته التي تلتحم عناصرها الإنسانية بالطبيعة.
في هذا الحوار الخاص والحصري الذي أجرته مجلة “سلطانة”، يبوح الشاعر أيوب كريم، صاحب ديوان “النهر يشرب ذاته”، بحيثيات إصدار هذا الديوان الذي نال مؤخرا جائزة “سيزار” الوطنية للشعر.
بداية، حدثنا عن نفسك؟
اسمي كريم أيوب، من مواليد مدينة خنيفرة، تابعت دراستي الجامعية بمدينة مكناس سنوات الإجازة الأساسية في شعبة الأدب العربي، ثم انتقلت إلى الرباط وفيها حصلت على الماستر في نفس التخصص من جامعة محمد الخامس، حاليا باحث في قضايا الشعر المغربي الراهني بسلك الدكتوراه في نفس الجامعة، وأشتغل أستاذا لمادة اللغة العربية.
من المعلوم أن العنوان هو المؤشر الذي يحدد علاقة القارئ بالديوان، كيف اهتديت إلى عنوان “النهر يشرب ذاته”؟
العنوان باب عمارة النص، هي العتبة الأساسية التي أحاول من خلالها أن أمنح للنصوص هويتها ومعانيها، لكن العنونة عندي أصعب من كتابة النص كاملا، أفكر في العنوان كنص آخر مواز لجسد القصيدة، أو لجسد الكتاب ذاته.
ولعل عنوان الكتاب “النهر يشرب ذاته ” أخذ مني كثيرا من التأمل، سيما أن الفترة التي كتبت فيها نصوص هذا الديوان الشعري، كنت أتنقل فيها بين خنيفرة والرباط، وكان يستهويني كثيرا الجلوس أمام النهر في المساءات تارة للتأمل وتارة للكتابة، فكنت أتردد على نهري أم الربيع وأبي رقراق، ولشدة ارتباطي بهما، لست أدري هل أنا من اهتدى إلى العنوان أم هو من اهتدى إلي.
إن المدينة كلها تشرب من النهر، لكنني كنت كثير التساؤل، من أين يشرب النهر ليروي ظمأه؟ وربما منحني هذا السؤال فكرة أسقطتها على واقعنا المعيش، ولكل تأويله في مستوى القراءة.
أنت شاعر وكاتب ومولع بالفلسفة اليونانية، وبعدد من الشخصيات الأدبية العالمية، من الشعراء أو الكتاب الذين تركوا أثرهم في نصوصك؟
لكل كتابة خلفياتها، فنحن لا نكتب ولا نعبر ولا نفكر من فراغ، لا نمشي ولا نتصرف ولا نلبس من فراغ، إنما لدينا أنساقنا التي اكتسبناها عبر تجاربنا الشخصية والحياتية والأكاديمية. والحق أنني تأثرت شيئا ما بعدد من الخلفيات المعرفية والشخصيات الأدبية والفكرية، من أمثال جبران خليل جبران، وأحمد المجاطي، ونتشه، ومحمد عابد الجابري وغيرهم من الكتاب المتنوعين.
كيف تنعكس خلفيتك الثقافية والأدبية على أشعارك؟
الخلفية الثقافية هي الأرض الخصيب التي تنبت عليها الأفكار والتصورات، والكتابة لا يمكن أن تكون وليدة الفراغ، من الضرورة أن تستند إلى حمولة تمنحها بعدها الوظيفي لا الجمالي فقط، إن الأدب وعاء الفكر، فإن خلا من حمولة معرفية خلا من المعنى.
من المعروف أن الشاعر يجب أن يمتلك عاطفة شعرية، حسا مرهفا ونظرة خارجة عن المألوف، هل أشعارك مستلهمة من تجاربك الشخصية؟
التجربة الشخصية هي الزاد الأول لدى الشاعر، إضافة إلى محاولته الدائمة في أن يرى بعين ثالثة، أن يبحث ويتبصر في الأمور بشكل مختلف، ولكن الشعر عندي لا يرتبط فقط بتجربة الأنا، ولكن تحضر فيه تجربة الآخر، في بعدها الكوني، إن الشعر يواجه مآلات العالم كوسمولوجيا وليس فقط مآلات الفرد وحدها.
ماهي التيمات التي تعالجها في ديوانك الأخير “النهر يشرب ذاته”؟
هذا الديوان هو محاولة للهدم والبناء، تحضر فيه مجموعة من التيمات كالمدينة، والذات، والوجود، والموت، والطبيعة، والانتصار، والانكسار والحب، لكن تبقى للقارئ سلطة التأويل والتلقي بما عمل إبداعي بالأساس. والإبداع مجاز وتأويل.
ماهو إحساسك بعد تتويجك بجائزة “سيزار” الوطنية للشعر في دورتها الثانية عن ديوان “النهر يشرب ذاته”؟
التتويج بجائزة “سيزار” الوطنية للشعر حدث جميل، قد أقول إن هذا النوع من التتويجات هو انتصار للتلقي على الكتابة، أتحول حينها من الكتابة بالأسى إلى التلقي بالفرح. وهو حافز على مزيد من العمل والجهد في سبيل المشهد الشعري المغربي والثقافي عموما.
وبهذا، يكون ديوان “النهر يشرب ذاته” لأيوب كريم، تجربة شعرية فذة تنهل من “أنا” الشاعر ولا تَُغَيِّبُ “الغير”، وفي ليالي سمره بنهر أبي رقراق أو أم الربيع كان الشاعر يواسي نهره المكلوم ويفتح معه محادثات حول الحياة، والموت والانكسار والحب، بنغمات ساحرة تبحر في ثنايا الوجود الإنساني.