سلطانة

زينب النفزاوية… الحسناء الأمازيغية التي فتنت يوسف بن تاشفين وألهمته لبناء مراكش

هي امرأة قوية تلين في حضرتها قلوب علية القوم من الرجال، فاتنة بجمالها الأمازيغي الأخاذ إلى درجة أن اتهمت بالسحر والشعوذة، تملكت ناصية العلم والكلمة فكانت حكيمة ذكية وفطنة، هي صوت نسائي ما زال صداه القوي يتردد إلى حدود الآن.

ويقال إن وراء كل رجل عظيم امرأة، وهو مثل ينطبق على هذه المرأة التي تزوجت يوسف بن تاشفين وهو قائد، وبرأي منها جعلت منه حاكما على المغرب الأقصى، فأرخت بذلك لتاريخ ربما لم يكن ليكتب، لو لم يضع القدر زينب النفزاوية في طريق يوسف بن تاشفين.

هي قصة زينب بنت إسحاق النفزاوية، التي ازدادت سنة 464 هجرية الموافقة لـ1072 الميلادي، تنتمي إلى قبيلة نفزاوة الأمازيغية، فبعد أن غادرت زينب ووالدها إسحاق الهواري قبائل نفزاوة، استقرا في مدينة أغمات الواقعة بضواحي مدينة مراكش، خاصة وأن والدها يعتبر من أشهر وأهم تُجَّار القيروان، بفضل تواجده في مفترق الطرق ما ساهم في توسيع ثروته ليصبح من أغنى التجار في المنطقة.

تشير بعض المراجع التاريخية إلى أن زينب النفزاوية، كانت تحظى بجمال أخاذ جعلها من أجمل الفتيات في منطقتها، كما كانت ذكية ومتعلمة وتفهم في الأمور المتعلقة بالسياسة والتجارة وغيرها، ما جعلها محط أنظار الجميع خاصة الرجال، الذين كانوا يتنافسون لخطبتها، لكنها لم تقبل أي عرض لاقتناعها الشديد بأن جمالها الساحر وعلمها الكبير يجب أن يجعلا منها زوجة حاكم للبلاد.

وشاءت الأقدار أن تتحق نظريتها، فتزوَّجت يوسف بن علي بن عبد الرحمن، شيخ مدينة وريكة، ثم تزوجت بعدها بأمير أغمات لقوط بن يوسف بن علي المغزاوي، وبعد أن توفي عقدت قرانها على القائد العام للمرابطين أبو بكر اللمتوني.

وصلت أخبار إلى أبو بكر اللمتوني بنشوب صراعات داخلية بين مجموعة من القبائل الصحراوية، فاضطر إلى السفر إلى الصحراء من أجل القتال في الجنوب، وترك زينب في المدينة التي رأى أنها بجمالها ورقتها لن تقوى على تحمل حرارة الصحراء وقساوة العيش فيها، فقرر أن يطلقها خاصة وأنه لا يعلم إن كان سيعود سالما من الحرب.

وحين ذهب أبو بكر اللمتوني للقتال في الجنوب، ترك السلطة لابن عمه القائد الصاعد يوسف بن تاشفين، وقال لزينب قبل أن يغادر: “إذا كنتِ راغبةً في أحدٍ من الرجال، فتزوجي ابن عمي يوسف بن تاشفين”.

وحسب كتاب “الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى” لخالد الناصري، فإن اللمتوني طلق زوجته وقال لها: “يا زينب، إني ذاهب إلى الصحراء، وأنت امرأة جميلة لا طاقة لك على حرارتها، وإني مطلقك، فإذا انقضت عدتك، انكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين؛ فهو خليفتي على بلاد المغرب”.

تزوجت بعدها زينب من يوسف بن تاشفين ودعمته بجميع الوسائل الممكنة وكانت خير سند له وساهمت في علوه وبناء مجده، وبحكمتها ورجاحة عقلها استطاع يوسف بن تاشفين الحفاظ على الحكم، حيث ورد أنه كان يذكر فضل زينب عليه، ويقول: “إنما فتح الله البلاد برأيها”.

ويضيف كتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” للشيخ أبي العباس الناصري: “كانت عنوان سعده، القائمة بملكه والمدبرة لأمره والفاتحة عليه، وبحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب، وفي ذلك مشورتها له في أمر ملاقاة أبي بكر أمير الصحراء من غير حرب ولا سفك دماء”.

وكما أن كل دولة لا تقوم إلا بعاصمتها التي تشكل قاعدتها الأساس، بنيت مدينة مراكش سنة 1062 ميلادية، لتكون بذلك قاعدة حكم يوسف بن تاشفين، لكن اختيار مدينة مراكش بالضبط كان برأي من زوجته زينب النفزاوية، التي اختارتها بناء على موقعها الجغرافي الواقع في وسط المغرب الأقصى.

يقول المؤرخ محمد الصالح العمراني بن خلدون، في كتابه “سبع سيدات مراكشيات باستحقاق”، إن زينب النفزاوية هي “أم فكرة بناء مدينة مراكش حاضرة للمغرب المسلم الكبير من حدوده مع مصر نهر النيل إلى حدوده مع السنغال”.

خلفت زينب من زوجها يوسف بن تاشفين ثلاثة ذكور، وهم تميم والفضل والمعز بالله، فحرصت على تعليمهم وتربيتهم بشكل أفضل، ولقنتهم فنون السياسة وكيفية تسيير وتدبير أمور الرعية والتعامل مع الأزمات، مما ساهم في تقويتهم وصلابتهم خاصة الأمير تميم الذي تولّى كرسي العرش خلفا لأبيه يوسف بن تاشفين.

سيرة زينب النفزاوية تبقى من السير العالقة في الذاكرة المغربية، بطلاتها نساء بحكمتهن البالغة وتبصرهن وحنكتهن، استطعن تخليد أسمائهن في صفحات التاريخ المغربي، الذي يعج بقصص مثل قصة زينب النفزاوية، التي برأي منها بنيت عاصمة دولة لم تغب عنها الشمس آنذاك.

vous pourriez aussi aimer