تمديد الحجر المنزلي .. بين الوقاية من العدوى والتعب النفسي
في ظل ظروف صعبة واستثنائية نعيشها ونتشاركها مع العالم بسبب فيروس كورونا، هذه الازمة التي ألزمت العديد من الدول فرض الحجر الصحي وتمديده بين الفينة والأخرى على مواطنيها لحمايتهم ، يبقى السؤال هل يمكن حماية هؤلاء المواطنين أيضا من التأثيرات السلبية التي سيتسبب فيها هذا الاجراء على الجانب النفسي لهم جراء التزامهم البيت لمدة طويلة ؟
ففي تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أكد ان هذه الأزمة الصحيّة ستظهر تداعياتها النفسيّة على العديد من السكّان بعد مرور ما يقارب الثلاثة إلى ستة أشهر، من انتهاء فترة الحجر. وبحسب التقرير، فإنّ سكّان العالم سيواجهون العديد من المشاكل النفسيّة المتعلّقة بالغضب، القلق، وغيرها، بسبب عزلهم في المنازل. مشيرا إلى أ نه لا يمكن الخروج من هذه الحالة النفسية إلّا من خلال الدّعم النفسي للسكّان خلال الأزمة، وليس فقط بعدها.
وفي ظل غياب متنفس خارجي لكونه قد يعود بخطر العدوى على الفرد وعائلته، يبقى البيت الملجأ الوحيد الذي ربما يكون فرصة لإعادة قيم الترابط الأسري التي تلاشت مع المتغيرات الحياتية، لكن كثيرا من الأسر تجد الحجر المنزلي عبئا ثقيلا عليها، فهي تعودت على خلق التوازن في العلاقة بين افرادها من خلال اخذ المسافة الضرورية بينهم، وهذا قد يسبب تأثيرات نفسية سواء في العلاقة بين الأزواج أو مع الابناء أو بين الاخوة.
و” لتجاوز الوقوع في مشاكل نفسية أو التصادم مع المحيط العائلي ليست هناك حلول سحرية”، كما يحاول أن يشرح لنا الأخصائي النفساني المغربي أسامة لحلو في حديث له مع France 24 «فالأمر مرتبط باجتهاد الأولياء في إيجاد أنشطة يمكن أن تشغل جزءا مهما من الوقت الطويل خلال العزل الصحي، حيث من المفروض أن تكون لهم “رؤية استباقية” لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال الاستمرار في الحجر الصحي دون منهجية واقية من الوقوع في مخاطر نفسية واجتماعية ”
وتعتبر فئة الأطفال الأكثر تعرضا للتأثر النفسي خاصة بعد توقفهم عن الدراسة وعن كل انشطتهم التي اعتادوا عليها من اللعب مع أقرانهم والتنزه مع أباءهم، كما أنهم أصبحوا عرضة للمعاملة السيئة والمزاج المتقلب لأوليائهم ففي ظل الازمة الوبائية ” ازداد خطر تعرض الطفل للإساءات والإهمال والعنف والتأثير السلبي على نموه ” كما جاء في الدليل الارشادي لحماية الطفل في موقع ” UNICEF ”
وهو ما اكدت عليه التوصيات التي جاءت بها منظمة الصحة العالمية في كيفية التعامل مع هذه الفئة الناشئة في ترجمة قامت بها الطبيبة الفرنسية وطالبة دكتوراه في علم الأوبئة شيغانس استريد حيث أفادت أن “الأطفال غالبا ما يبحثون في أوقات التوتر والأزمات، عن المزيد من المودة ويطلبون المزيد من والديهم، وقد يتشبثون بهم أكثر من اللازم لعدم قدرتهم على التعبير عن التوتر. ولإزالة مخاوفهم لا بد من التحدث عن الوباء بصدق وبمفردات مناسبة لأعمارهم”.
كما قالت إنه ليس المهم إزالة مخاوف الأطفال بل “فهم ما يزعجهم، لأن مخاوفهم ليست دائما مخاوف البالغين”، فقد يشعر طفل عمره ثلاث سنوات بالحزن لرؤية متجر اللعب مغلقا، وقد يخشى طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات أن يموت أصدقاؤه بسبب الوباء، وأضافت انه لا بد أن يوضع لهم جدول يشمل حصصا دراسية وأنشطة إبداعية وأوقاتا للعب مع بقية العائلة وأوقاتا أخرى للراحة، أي أن “عليك أن ترتب شيئا يشبه حياتهم اليومية،
وبالرغم من التباعد الاجتماعي نتيجة للحجر الصحي المنزلي، فان ذلك لا يمنع من الحفاظ على التواصل مع الاقرباء والأصدقاء ولو عن بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما من شأنه ان يخفف كثيرا من الضغط النفسي وتقليل الشعور بالعزلة ، بالإضافة الى ملء الفراغ بكل ما يمكن ان يعطي للوقت قيمته ويضفي عليه المتعة، فهي فرصة ثمينة لتدارك النقص المعرفي عبر القراءة وتعلم اللغات وبرامج الحاسوب، انجاز الاعمال اليدوية والتي يمكن تطبيقها بأبسط الأشياء الموجودة بالمنزل ، تعلم الطهي، تحضير الوصفات الطبيعية للبشرة … وغير ذلك من الأمور التي تجعل من الحجر المنزلي شيئا إيجابيا وتجنبه الملل والتذمر والوقوع في الخلافات الأسرية.
وكإجراء مهم أيضا للتخلص من الضغط النفسي ينصح بالتقليل من متابعة الاخبار المتعلقة بالوباء، كما أشار الى ذلك محمد لحلو “ان التعرض بشكل مستمر للأخبار لا يساعد الصحة النفسية وينصح الابتعاد عن الاخبار التي تأتي من افراد او من جهات غير معروفة ”
وهو ما أفادت به الطبيبة شيفانس معتمدة على التوصيات التي جاءت بها منظمة الصحة في “أن التسمر أمام التلفاز لا يساعد في شيء إن لم يكن مثيرا للقلق”، مشيرة إلى الاكتفاء “بتحديث المعلومات لفترة أو اثنتين خلال اليوم”، والاقتصار عل وسائل الاعلام الرسمية لتجنب الشائعات والأخبار الزائفة، “خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي قد تعزز من انتشارها وبالتالي انتشار مزيد من القلق والهلع المفرط الذي يؤثر سلبا على نفسية الإنسان ويضعف مناعته الذاتية.
كتبته سهام كعودي صحافية متدربة