سلطانة

تعدد الزوجات مرارة واقع ومأساة أسر

للأمل لا تعرف طريقا، لبست الأبيض حدادا على وفاة قلب حفرت له قبرا وسط الذاكرة، ثم اعتنقت النسيان سبيلا لراحة البال، واتخذت الاستمرار منطقا تؤمن به وتعمل على استيعابه، بدلا من تقبل شريكة تتقاسم معها رجلا كان في الماضي زوجها وأصبح اليوم طليقها، ذلك حال امرأة فضلت الانسحاب بكرامة وترك من فضّل عليها أخرى، لكنه ليس دائما الحال نفسه لجميع النساء، فأخرى سارت عكس تيار الأولى، وتشبثت بأمل مجهول المعالم، علّه يتراجع يوما أو لا يتوافق مع الشريكة الجديدة، مستشهدة دائما بالرجوع إلى الأصل أصل، وبالدارجة العامية “الجديد له جدة والبالي لا تفرط فيه”.

تعدد الزوجات موضوع طرح للنقاش ولازال، تتداخل فيه أحكام الدين والشريعة، مواد قانونية ومدونة الأسرة، دون نسيان الجانب الأهم والكلمة المفتاح في الموضوع وهي المرأة، المتضرر الأول والأخير من اختيار التعدد، الذي يعتبره الزوج اختيارا مشروعا.

مرارة واقع

ربيعة أم لـ 6 أبناء، تروي لمجلة “سلطانة” معاناة عاشتها مع زوجها الذي نهج سياسة التعدد المفرطة، بمجموع 6 نساء، “كانت قاسية جدا اللحظة التي كان يعلن فيها مصطفى خبر زواجه من أخرى، كنت أنهار بالبكاء، أطرح على نفسي سؤالا مهما، ماذا ينقصني أنا، ولماذا يذهب عند أخرى؟ أول صدمة عشتها معه، كنت حاملا وقتها بطفلي الثاني، لم أتقبل الأمر ولم أناقشه في اختياره أبدا، أما في المرات الموالية لم يكن وقع الصدمة أقوى حيث أدركت أنها بمثابة هواية بالنسبة له، تضيف ربيعة، الأمر تغير الآن مع مدونة الأسرة، حيث أصبحت موافقة الزوجة عنصرا مهما في إتمام الزواج”.

فدوى، شابة تبلغ من العمر 25 سنة ذاقت مرارة التعدد، لكن هذه المرة ليس من زوجها وإنما من أبيها الذي تزوج على أمها بأخرى تصغره بسنوات، تؤكد فدوى لمجلة “سلطانة”، أن اختيار أبيها ليس نابعا من إرادة شخصية له، وإنما من عائلته التي كانت لا تطيق والدتها وتطلب منه دائما تطليقها لأنها ليست من نفس مدينة انتمائهم، تستطرد فدوى، تقبلنا الوضع مع المدة وتعايشنا معه، حقيقة فرضت نفسها، خلخلت توازن أسرة كانت تعرف السكينة والهدوء، لتجد نفسها وسط الضجيج وعدم الاستقرار.

المرأة .. القانون.. والتعدد

في تصريح لمجلة “سلطانة”، أكد “نوفل البعمري” محامي بهيئة تطوان، أن التعدد مجحف للمرأة كيفما كان السبب ودوافعه، وهو خاضع بالأساس لاعتبارات ثقافية واجتماعية أكثر منها قانونية، إذ هي التي تحكم الأزواج في تقديم طلباتهم، وأضاف “البعمري”، مدونة الأسرة رغم أنها حاولت تقنين التعدد لكنها أيضا سمحت بالتحايل عليها خاصة في تقديم طلبات إثبات الزوجية التي تعد وسيلة للتهرب من سلوك مسطرة التعدد، حيث يختار بعض الأزواج سلوك مسطرة إثبات الزوجية التي تحتاج لمراجعتها وإعادة تنظيم مسطرتها حتى تستفيد منها الفئات المعنية.

وشدد المحامي “البعمري” على مسألة أن ليس هنالك حالات معينة يمنع فيها المشرع المغربي تعدد الزوجات بل هناك تقييد على المسطرة وإخضاعها لسلطة القضاء وليس لمزاجية الأزواج، ومع ذلك حان الوقت لتقييم مسطرة التعدد انسجاما مع التزامات المغرب الحقوقية وملائمة للاتفاقيات الدولية مع مدونة الأسرة، ولإعادة تقييم مسطرة التعدد علاقة بالحالات المطروحة إذ أنه إذا كانت رغبة المشرع انسحبت نحو تقنين التعدد فإنه مع ذلك مازالت تعرف أرقام طلبات التعدد بالمحاكم المغربية ارتفاعا مهما مقارنة بالنتائج التي كانت منتظرة من مدونة الأسرة.

أباح الإسلام تعدد الزوجات، لكن ليس كل مباح مأتي، حيث يجب وزنه بميزان المصالح والمفاسد وإلا تحول الحلال إلى حرام  إذا غلبت مفاسده على مصالحه، وبذلك اهتمت مدونة الأسرة بتنظيم العلاقة الزوجية في جميع جوانبها متأثرة بتعاليم الشريعة الإسلامية والقيم الأخلاقية، إلى جانب المؤثرات الدولية الرامية إلى تكريم الإنسان والمحافظة على الحقوق والقيم.

vous pourriez aussi aimer