سلطانة

عندما تصبح “الوطنية” مصدر رزق لمن لم يجد في وطنه مُنجِدا

لم تعد مقولة “الوطن هو المدرسة التي علمتنا فن التنفس” مُقنعة لمن لا يجد ما يُشبِع بطون أبنائه ولا حتى بطنه، بل لعل تكرارها في كل عيد وطني أصبح مستفزا للبعض، ليس خيانة للوطن ولا قلة “وطنية” منهم وإنما لأن “تنفس الهواء” هو الأمر الوحيد الذي لا يزال مجانيا في هذا الوطن إلى حد الساعة.

إذا جبت أحياء المدينة القديمة للعاصمة الرباط فستلاحظ أن اللونين الأحمر والأخضر أصبحا يكسوان بعض المحلات والأزقة، وأن أعلام المغرب بمختلف أحجامها ترفرف وسط “السويقة” طوال أشهر السنة، هو ليس احتفالا بعيد وطني ستتلاشى مراسمه عند مروره، بل باعة يبحثون عن قوت يومهم في ظل ما أسموه ب “وطنية المظاهر”.

تخوفت “ف.” وهي سيدة تبيع فوطا وأغطية طُرِّز عليها علم المغرب وتتخذ من الأرض محلا لها، وترددت في الكلام في بادئ الأمر وقالت: “ليس لي علاقة بهذه الأمور، عاش الملك، ودعيني أسترزق الله”، وبعد تأكدها من عدم نشر اسمها تجرأت على البوح بمكنوناتها وقالت بصوت خافت: “أحب بلادي يا ابنتي، لم أجد فيها عملا ولا معيلا، وعشت فيها حياة بئيسة ومزرية ولكن بفضل رغبة كل هؤلاء المارة في التباهي بحبهم لهذه البلاد، أصبح عَلَمها يُعيشني كما ترين، كنت أبيع نفس ما أبيعه اليوم بألوان زاهية وبراقة ولا أحد يكترث لشراء ولو قطعة على الرغم من بخس ثمنها، ولكن حينما أحضرت أول دفعة تحمل العلم تغير كل شيء، وأصبحت خبيرة في تمييز من يتباهى ومن يشتري عن حب، وأغلب النساء يشترين تباهيا على عكس الرجال”.

يقول عادل، 21 سنة، “بعد أن تحصلت لحسن حظي على الباكالوريا في الدورة الاستدراكية، وجدت أنه لا يمكنني بعد الآن أن أعتبر نفسي مراهقا وأطلب من والدتي المال للسفر رفقة أصدقائي دون اكتراث لما تمر به كل شهر وهي تحاول الاقتصاد لشراء كبش العيد الذي بدأت أختاي الصغيرتان صفاء ومروة تسألانها عنه بين الحين والآخر، فقررت أن أخرج للعمل هذا الصيف في انتظار بدء الموسم الدراسي في الجامعة، وبعد تفكير طويل وجدت ضالتي في بيع حمالات المفاتيح وملصقات السيارات والحواسيب والهواتف التي تحمل كرمز علم المغرب، ليس مدخولي اليومي بالكثير ولكن ذلك ليس بسبب قلة الزبناء بل بسبب الثمن البخس الذي أطلبه”، وأضاف مازحا: “لا أخفيك فأغلب من يشترون مني لا يناقشونني الثمن لربما خوفا من “الوطن””.

تنتصب خيم الكتب الواحدة قرب الأخرى بالقرب من سينما الفن السابع، ولكنها تخلو من الزوار، على عكس خيمة “Morocco Look” التي يستقبلك صاحبها بابتسامة كبيرة ويدُلّك على مختلف القطع المعروضة فيها.

يرافقك محمد في جولته التي تدوم لدقائق فقط بالقول: “قميص “جواز السفر المغربي” الشهير ب 90 درهم، حمالات المفاتيح أو كرة علم المغرب التي تعلق في السيارات 10 دراهم، كؤوس طُبع عليها كرسي العرش أو العلم المغربي 30 درهم… كل ما يتواجد هنا هو مغربي وطني 100% وثمنه يدل على أنني لا أبيع لأكسب بل أبيع لأشجع الناس على حب وطنهم، وزرع حب الوطن في أبنائهم فهذا الجيل القادم هو أحوج منا نحن الكبار لذلك”.

[soltana_gal_embed id=”352559,352560,352562,352563,352564,352565″]

اختلفت القصص واختلفت الردود والأسباب، ولكن حب الوطن جمعهم، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها كل منهم إلا أنهم لم ييأسوا واتخذوا من الوطن “وسيلة” ليلبوا “غايتهم” ألا وهي العيش بكرامة.

vous pourriez aussi aimer