“كلاوديو برافو”..رسام تشيلي نقل غرامه بسحر تارودانت إلى متحف للتاريخ
كان مذهلا جدا في فنه، جسد كل شيء في تحف فنية عميقة، إنه كلاوديو برافو كانوس، الرسام الشديد الواقعية والذي كان يصف نفسه بالرسام الشديد السريالية.
عاش حياته منذ عام 1972 بالمغرب واستقر في قصر “اغويدير” بإقليم تارودانت حتى وفاته، وعاش حياة فريدة من نوعها، شديد التركيز في عمله الذي كان أكبر همه.
حياته ونشأته
ولد الرسام العالمي يوم 8 نونبر 1936 بالشيلي، دخل إلى المغرب سنة 1972 وتوفي به يوم 4 يونيو 2011. اقتنى أرضا بأحواز تارودانت، بمساعدة صديقته فرح ديبا سنة 2001، وانتهى من بناء القصر في 2004. وضع له شخصيا تصميما هندسيا من الغرابة بما كان، وعند وفاته دفن بضريح داخل قصره.
من موطنه الأصلي الشيلي انتقل إلى اسبانيا، ومنها إلى نيويورك، التي استقر بها سنة 1970، ومن ثم انتقل إلى طنجة سنة 1972 وبعدها إلى مراكش، ليستقر به المقام في أحواز تارودانت منذ 2001. هناك عثر على الضوء الذي يلاحقه الرسامون، ووجد الكرم السوسي، لذلك نادرا ما كان يغادر المنطقة، ليشكل المغرب الوجهة المفضلة له ومستقره الأخير.
كان كلاوديو برافو قيد حياته مولعا بالثقافة الأمازيغية التي سحرت خياله، وجسدت لوحاته تلك الثقافة، وكان يصنف نفسه أنه ينتمي إلى المدرسة السريالية، بالرغم من أن النقاد اعتبروا أعماله تنتمي إلى المدرسة الواقعية، ومن ثم كان مغرما بجمع التحف، محققا في سجله التاريخي خمسين معرضا خاصا به من المعارض الدولية، كما ساهم في معارض مشتركة عديدة.
قصر/ متحف كلاوديو تارودانت
قصره ومتحفه الذي بناه بتارودانت يدهش زواره بحدائق تجمع من غرائب النباتات والأشجار التي جلبها من مناطق مختلفة من القارات، ومسبح خاص بالعمال، وآخر خاص بالضيوف، وغرفة نوم مركبة خاصة بصديقته فرح ديبا.
ويمتد هذا القصر على مساحة 75 هكتارًا، ويقع على بعد 8 كيلومترات من تارودانت، عند سفح جبال الأطلس الكبير، وهو مفتوح في وجه الزوار. تنقسم البناية الرئيسية إلى عدة أجنحة وهياكل، متصلة ببعضها البعض بواسطة أفنية داخلية وممرات مغطاة.
وتضم هذه الأجنحة المنفصلة غرف معيشة وغرف نوم، بالإضافة إلى الأجنحة الخاصة ومرسم كلاوديو برافو حيث ولدت العديد من أعماله. في جميع أنحاء المبنى، تظهر الأعمال واللوحات القماشية لكلاوديو برافو وأصدقائه (مثل بابلو بيكاسو)، مما يعطي الانطباع بأن الفنان موجود في عين المكان، كما يتكون أيضا من 8 قاعات عرض للوحات والتحف، منها الموضوعة بعناية في ممرات وأرضية القاعات، ومنها المصان بخزائن زجاجية على الجدران.
ويضم ضريح كلاوديو برافو أيضًا مجموعة فريدة ومثيرة للإعجاب من المزهريات والسيراميك المغربي القديم. في الطرف الآخر من الحوزة توجد الاسطبلات التي لا تزال تؤوي الخيول. وفي الحديقة، تدعوك العديد من المسارات لاكتشاف المنحوتات ومجموعة مختارة من النباتات الغريبة.
أشرف كلاوديو برافو بنفسه على تصميم بناء القصر بفضاءاته الطبيعية والمعمارية، التي تحتوي على مغارس ومنحوتات وهياكل عظمية حيوانية. وطبع لوحاته شخصيات وأثاث وملابس وأناس بسطاء بملابسهم التقليدية المغربية، كما رسم المنحوتات، وجمع بين التحفة والهياكل العظمية، مثل جماجم حيوانات موضوعة بعناية فائقة، وبأمكنة محددة بدقة فوق منضدات.
وتشكل الأجسام الحية والطرود والملابس وبعض الهياكل والأفرشة وأواني الخزف، معظم أعماله، وبذلك اعتبرت مزيجا من الثقافات الإنسانية، وشكلت مصدر حب وعشق لصاحبها كلاوديو برافو.
إصدارات مغربية
الكاتب والدبلوماسي المغربي زكرياء بلكا، كان قد أصدر أول سيرة باللغة الإسبانية عن الرسام الشيلي العالمي كلاوديو برافو، وصدرت هذه السيرة عن منشورات مركز محمد السادس لحوار الحضارات بكوكيمبو بالشيلي، والذي دأب منذ إنشائه سنة 2007 على إصدار كتب مختلفة تدور جلها حول علاقات المغرب مع أمريكا اللاتينية والعالم الإسباني بصفة عامة.
ويسجل الكاتب المغربي أنه سمع لأول مرة بكلاوديو برافو عن طريق الكاتب الراحل محمد شكري، الذي أنجز سيرا جد مهمة عن جان جنيه وتنيسي ويليامز وبول بولز، وهم جميعهم من كبار الكتاب الذين مروا عبر مدينة طنجة في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وساهموا في خلق الصيت العالمي لهذه المدينة المغربية والتعريف بها في أرجاء العالم الأربع.
الكاتب نفسه لفت إلى أن تشعبات الحياة ومنعرجاتها أدت به إلى العيش في الشيلي، ليتصادف من جديد مع ذكرى كلاوديو برافو، حيث لاحظ أن اسمه يقترن في أذهان الكثير من الشيليين ببلده المغرب، ويعتبر على نطاق واسع سفيرا للثقافة المغربية في الشيلي والقارة الأمريكية؛ وكان ذلك دافعا له للغوص من جديد في حياته ومساره الفني، وبتشجيع من الكثير من المثقفين الشيليين، قرر إنجاز أول كتاب باللغة الإسبانية موجه للجمهور اللاتيني عن مقامه في المغرب والتأثير الكبير الذي مارسه هذا الأخير على تطور أسلوبه الفني ومساهمته في نجاحه العالمي الكبير.
أعماله الخيرية
لم تقف أعمال كلاوديو برافو عند قصره، بل ساهم في بناء جناح كبير بالمستشفى الإقليمي، المختار السوسي بمدينة تارودانت، من ماله الخاص، كما تكلف بترميم وتجهيز مدرسة عمومية مع لوازم مدرسية للتلاميذ. ومن جهة أخرى، وضع تصميما لتهيئة “ساحة 20“، مع بناء حنفية النافورة، كما مول مهرجانا ثقافيا بنفس الساحة.
ومهما تحدثنا عن قصر/ متحف كلاوديو ووفاته وحياته، فإننا لن نوفيه حقه من الوصف، سنبقى في حدود الاختزال، الذي لا يفيد المعنى الشامل.