سلطانة

عائشة قنديشة..أسطورة رعب من الخيال الشعبي أم أيقونة لمقاومة المستعمر؟

لطالما رويت لنا حكايات عن عائشة قنديشة، في جلسات عائلية تسترجع فيها الجدات حكايات وقصص من تاريخ مضى، تاريخ يحمل بين ثناياه ذاكرة مثقلة بالتفاصيل الواقعية والميثولوجية.

وتتعدد الروايات حول عائشة قنديشة الأسطورية، بين من يظن أنها جنية تعشق التجوال ليلا في الأماكن الخالية لتستدرج الرجال بجمالها الأخاذ، وبين من يعتبر أنها رمز للمرأة المحاربة التي قاومت المستعمر وكانت عصية عليه.

وتشير الحكاية التي لطالما بثت الرعب في الأشخاص الذين يؤمنون بوجودها، أن عائشة قنديشة أو قديسة اسم جنية تظهر بعد حلول الظلام بالقرب من الينابيع و الأماكن المهجورة، بشكل جذاب وفاتن يجعل ضحاياها من الرجال لا يستطيعون مقاومة سحرها.

فهي جنية بجسد أنثى جميلة، لكن بقدمين تشبهان أقدام البقرة، تحب التجول بلباس شديد البياض، وبحسب بعض الحكايات الشعبية، لها رائحة كرائحة المسك يفوح عطرها من بعيد، وتتخذ من الآبار والوديان والكهوف مسكنا لها، تقتل الرجال وتقتات على دمهم بعد أن تطيح بهم في براثن فخاخها، ولا تخشى أي شيء سوى النار.

ويزعم البعض أنها اعترضت سبيل بعض الرجال في إحدى المناطق القروية، فما كان منهم إلا أن حرقوا عمائمهم للإفلات منها، وزعم البعض الآخر أنها تنتظر ليلا على الطرقات رجلا وحيدا، تتشكل له في هيئة امرأة تطلب منه أن يوصلها إلى مكان ما.

أما الرواية الثانية والتي تبدو أكثر واقعية، فتقول إن عيشة قنديشة أو الأميرة عائشة “الكونتيسة”، امرأة تنتمي لعائلة موريسكية نبيلة طردت من الأندلس، وحين جاءت إلى المغرب، قام المستعمر بقتل عائلتها وتشريدها، فقررت مساعدة الجيش المغربي لمحاربة البرتغال، فكانت قوية وعصية على البرتغاليين حتى ظنوا أنها ربما ليست من البشر.

بشجاعتها وبسالتها، خلقت لنفسها اسما يهابه الجميع من المستعمرين والمقاومين، فكانت تستعين بجمالها لإغراء الجنود البرتغاليين، فتستدرجهم وتجرهم إلى المستنقعات لتقوم بذبحهم، فشكلت بذلك قوة ممانعة صدت هجوماتهم وبثت في قلوبهم الرعب.

وجاءت في رواية أخرى، أنها مغربية قتل زوجها على يد المستعمر البرتغالي، فحلفت يمينا أن تنتقم لروحه، فبدأت تقتل جنديا تلو الآخر.

وذكر عبد المجيد بن جلون في مؤلفه “وادي الدماء”: “لقد رأت أباها يمزقه الرصاص وحبيبها يطيح به الموت…فمزق الألم أحشاءها حتى قتل فيها الخوف والتردد، فأخذت البندقية وبدأت تصطاد الجنود واحدا واحدا، ومن تطلق عليه الرصاص لا تخطئه أبداً. هربت عائشة إلى الغابة وكانت تعود كل ليلة على ظهر جوادها فتقتل عددا من الجنود ثم تختفي في الغابة”.

وقارن الباحث والانثربولوجي وستر مارك بين عائشة قنديشة و”عشتار” آلهة الحب القديمة التي كان يقدسها شعوب البحر الأبيض المتوسط، كما أشار عالم الاجتماع بول باسكون في كتابه “أساطير ومعتقدات من المغرب” إليها من خلال ذكر قصة أستاذ الفلسفة الأوروبي، الذي قدم إلى المغرب للتحضير لبحث حولها، فوجد نفسه مجبرا على حرق بحوثه ومغادرة المغرب نهائيا وبطريقة غامضة.

وشكلت شخصية عائشة قنديشة مادة دسمة للأدب والإبداع والفن، حيث أصدر الكاتب المغربي مصطفى الغتيري، رواية بعنوان “عائشة القديسة”، كما كانت هذه الشخصية مصدر إلهام للفنانة التشكيلية الفرنسية أناييس آغمير، وتيمة أساسية في معرض لوحاتها الذي عرض بمدينة أكادير.

وتبقى عائشة قنديشة شخصية تتداول حولها العديد من الروايات، يتقاطع فيها الخيال بالواقع، والمنطق بالأسطورة، قصة تتجاذب خيوطها بين كونها خرافة من نسج الخيال الشعبي المغربي، وكونها شخصية واقعية ما تزال أصداؤها مسموعة من عمق التاريخ.

vous pourriez aussi aimer