كوثر حفيظي…من مدرسة عمومية إلى فيزيائية بمختبر نووي أمريكي
كوثر حفيظي، بنت المغرب الذي أنبت الأحرار، امرأة شقت طريقها في سير الناجحين، وروحها متشبعة بإرادة صادقة وعزم على بلوغ العلا، صمدت أمام رياح اليأس لتطوي فصلا من مآسي القدر، وتؤرخ اسمها بين صفحات التاريخ، وتصيغ اسمها من ذهب في ذاكرة الأمم.
ذاع صيتها في المغرب وتبوأت مكانة علمية عالية، شرفت بلدها وصورة المرأة المغربية ذات الإرادة الحديدية القادرة على تحقيق المستحيل، لتصبح أول امرأة في التاريخ تتقلد منصب مديرة مشاركة في تسيير مختبر “أرغون” الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الحوار الخاص مع مجلة “سلطانة”، تتحدث كوثر حفيظي عن بدايتها، ونجاحها واختصاصها المهني، بالاضافة إلى ذكرياتها من محطات مختلفة من حياتها، كما تقدم رأيها بخصوص واقع البحث العلمي في المغرب، ورؤيتها للعلاقة بين العلم والدين، وتتحدث عن جمعيتها التي تنقب عن المتفوقين.
ما نعلمه عنك هو تخصصك في مجال ما تحت الذرة، قربينا أكثر من هذا التخصص؟
مجال تخصصي هو الفيزياء النووية، أنا أدرس الذرة التي تتكون من البروتونات والنوترونات، والتي تحتوي بدورها على الكوارك والغليون المكونين للنواة، ولتقريب القارئ أكثر، إذا اعتبرنا أن 10 ملاعب كرة القدم هي الذرة فإن النواة هي الشعرة التي تحمل 99.99 بالمئة من الطاقة، واختصاصي جد مهم لدراسة التفاعلات في النجوم مثل الشمس، والمادة المرئية في الكون وغيرها.
ما هو السبب الرئيسي لمغادرتك المغرب نحو فرنسا ؟
كنت أدرس في المدرسة العمومية وحصلت على باكالوريا رياضية من ثانوية مولاي يوسف، ودرست في كلية العلوم تخصص ‘رياضيات-فيزياء’، وكان حلمي أن أصبح عالمة رياضيات أو فيزياء، وفي السنة الثالثة اخترت توجه الفيزياء النظرية، لأنها قريبة جدا من الرياضيات وتحتاج إلى حاسوبات لفهم الكون والطاقة.
لم أكن أفكر أبداً في الخروج من المغرب، لكن في سنة 1995، التي شهدت إضرابات خاضها الدكاترة المعطلون عن العمل، قررت الكلية عدم فتح التسجيل في السلك الثالث، ولم يكن أمامي خيار آخر غير التوجه إلى فرنسا.
حدثينا عن تجربتك الدراسية هناك؟
صراحة، كانت تجربة مهمة وصعبة في نفس الوقت، لأن أبي رحمه الله، كان موظفا، ولم يكن باستطاعته أن يغطي مصاريف دراستي في فرنسا، وللأسف بالرغم من تفوقي في الإجازة لم أستفد من المنحة، ولذلك أشكر عمتي الصغرى، الدكتورة عائشة حفيظي، لأنها باعت مجوهراتها لأجلي، وقالت لي” ‘اذهبي إلى فرنسا ستفتح أمامك آفاق جديدة، وأعي جيدا أنه إذا أنقذتك يمكنني إنقاذ عائلة أخي كلها’، وبعدها استفدت من منحة دراسية كانت المرة الأولى التي تمنح فيها لشخص غير أوروبي، وساعدت بها عائلتي ماديا.
ماهي الذكريات التي ما زلت محتفظة بها من إقامتك في فرنسا؟
أتذكر خلال دراستي في فرنسا، فترة وقعت فيها الإضرابات، وشملت القطارات كذلك، ومقر سكني كان بعيدا بكيلومترات عديدة عن الجامعة، وظروفي المادية لم تسمح لي بأن أستقل سيارة الأجرة، وكان يجب أن اجتاز الامتحان مع 9 صباحا، أتذكر أني استيقظت في الصباح الباكر ومنذ الرابعة صباحا وأنا أسير بجانب سكة القطار إلى أن وصلت الجامعة واجتزت الامتحان، والحمد لله كنت من المتفوقين.
هل كانت شخصية كوثر متمردة على المجتمع الذكوري ونظرته النمطية للمرأة؟
عندما أعود إلى أول ذكريات حياتي، قيل لي أن أبي لم يشعر بالسعادة عند علمه بأنني أنثى، فكنت دائما أحاول أن أثبت أن الأنثى مثل الذكر، ومنذ طفولتي كنت ألعب كرة القدم أفضل بكثير من الأولاد، والتي هي طبعا لعبة ذكورية، وكنت أدافع عن المرأة حتى أمام أساتذتي، كنت ومازلت متمردة على النظرة النمطية للمرأة.
قربينا من تجربتك في الولايات المتحدة الامريكية؟
بدأت الدكتوراه في سنة 1996، وبعدها بسنة ذهبت لأمريكا لأن موضوع البحث اعتمد على مسرع الإلكترونات في مختبر ’جيفيرسون‘ بفيرجينيا، فبقيت هناك 9 أشهر. وفي سنة 1999 عدت إلى أمريكا للاشتغال، وفعلا وقعت في حب البلد وثقافته، وحقيقة اكتشفت أنه لا يهمهم منظرك أو عرقك بقدر ما يهتمون بكفاءتك.
ماهي المناصب التي توليتها في أمريكا؟
اشتغلت في البداية بالمختبر الأمريكي للبحث والتطوير، وتدرجت من فيزيائية مساعدة إلى فيزيائية، وكنت كذلك رئيسة منظمة نسائية تهتم بالنساء داخل المختبر لمدة سنتين، وبعدها اشتغلت كخبيرة في وزارة الطاقة لسنتين، ومن ثم عدت إلى مختبر أرغون الوطني. وفي سنة 2017 أصبحت أول امرأة في تاريخ المختبر تدير مختبر الفيزياء. وفي سنة 2018 أصبحت مديرة مشاركة، أسير عدة مختبرات، من قبيل مختبر ’نانو تكنولوجي‘ ومختبر ’فيزيك ديماتريو‘ ومختبر ’علم الفلك.
ذكرت في إحدى حواراتك، أنه كان لديك حس فضولي لمعرفة الله واستكشاف أسرار الكون، هل هذا هو سبب تخصصك في الفيزياء؟
قررت أن أتخصص في الفيزياء لأنه بالنسبة لي أي شيء مرتبط بالكون هو عبادة، وكما قال عز وجل في كتابه ”إنما يخشى الله من عباده العلماء“، فمعرفة الله عن حق تكون عن طريق استكشاف ما خلق، والصفة التي أحب أن أنادي بها الله هي بديع السماوات والأرض، والعلم صراحة هبة، وأنا أحمد الله أنه وفقني لهذه الطريق، وأتمنى عندما أقابل الله أن أكون قد تحملت المسؤولية وكنت جديرة بها.
من بين إنتاجاتك البحثية “نظائر تساعد في علاج السرطان”، تحدثي لنا عنها؟
بخصوص هذا البحث، قمنا بدراسة الخلايا السرطانية وتكوينها الكيميائي، وأنتجنا مادة كيميائية لها القدرة على الالتصاق بمراكز السرطان، وبعد يوم أو يومين من حقن النظائر في الجسم، تنفجر وتقضي على المراكز السرطانية المنتشرة في الجسد، بالإضافة إلى بحوث أخرى لفهم المادة المرئية في الكون.
أسست جمعية “النهوض بالعلوم والتكنولوجيا” بشراكة مع جامعة محمد الأول بوجدة، قربينا من مجالات اشتغال هذه الجمعية ومختلف الخدمات التي تقدمها؟
أسسنا جمعية “كوثر حفيظي للنهوض بالعلوم والتكنولوجيا” الوطنية، بشراكة مع رئيس جامعة محمد الأول بوجدة، ومحمد أتونتي مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا في الناظور، وكذلك عالم البطاريات المغربي، خليل أمين، الذي منحه الرئيس الروسي بوتين جائزة الطاقة الكبرى. وتهدف الجمعية إلى مساعدة الطلبة المتفوقين وخاصة من ينحدرون من أوساط هشة، لأنهم أبناؤنا ونريد أن نساعدهم ليحققوا أحلامهم.
ما تقييمك لواقع البحث العلمي في المغرب؟
كمغربية غيورة جدا على وطنها، سأقيم البحث العلمي بعين أمريكية، وهذا قد يكون مجحفا في حق المغرب، بصراحة أنا لست فخورة بمستوى البحث العلمي في بلدي، وأتمنى أن تتخذ قرارات متعددة من شأنها النهوض بقطاع التعليم في مختلف مستوياته.
لكن في نفس الوقت، أنا سعيدة وأحيي توجه المغرب الجديد نحو الإنجليزية ’لغة العلوم‘، لأنه حان الوقت لنفض غبار الاستعمار، وأثمن كذلك المجهودات المتخذة للنهوض بهذا القطاع كبناء الجامعات والمعاهد وغيرها، وأتمنى أن نسير في نفس منوال الهند التي وفرت تعليما قويا لأبنائها واستقطبت الصناعات التكنولوجيه العالمية.
نصائحك للشباب الذين يسعون وراء أحلامهم؟
أقول لأبنائنا لا تقنطوا ولا تحزنوا، انظروا أنا مثال حي، بنت بلدكم، من عائلة متواضعة، درست في المدرسة العمومية، كافحت، والله أرسل لي أشخاصا ساعدوني، ولم أشكك يوما في قدراتي، وكما حققت أحلامي يمكنكم أن تحققوا أحلامكم كذلك، وسأختم بهذه الآية الكريمة ”إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا”.
حاورتها الصحافية المتدربة أمينة مطيع