سلطانة

إمبراطورة الصمود..فرح ديبا من وردة في قصور الشاه إلى المنفى

امرأة قذفتها أمواج الحياة الهائجة إلى براري لم تكن لها بالحسبان، فجعلت منها مرة إمبراطورة، لتذيقها بعد ذلك مرارة المنفى، وتسحب من تحتها بساط السعادة بفقدان زوجها وابنتها.

حياة فرح ديبا هي أكثر من مجرد قصة، هي أيقونة سياسية صامدة، ذات فكر تقدمي ونظرة مستقبلية لإيران، ربطتها بالمغرب علاقات متميزة.

وفرح ديبا هي آخر إمبراطورة في إيران، لقبت ب “الشهبانو فرح بهلوي”، وهي الزوجة الثالثة للإمبراطور شاه إيران الراحل (محمد رضى شاه بهلوى).

وبالعودة لطفولتها، ولدت فرح ديبا في 14 من أكتوبر من سنة 1938 بمدينة تبريز، وهي ابنة “سهراب ديبا” نقيب بالجيش الإيراني، ووالدتها هي “فريدة قطبي” من منطقة كيلان التي تقع على بحر قزوين.

نشأت فرح في عائلة مثقفة شجعتها على الدراسة وتطوير فكر تقدمي، ودرست في مدارس إيطالية وفرنسية بإيران، غرس فيها والدها حب الثقافة واللغة الفرنسية، في حين علمتها أمها (التي رفضت أن تتزوج بشكل تقليدي)، الاستقلالية والفكر المعاصر وشجعتها على دراسة الهندسة المعمارية في باريس.

وشاءت الصدفة أن تجعل منها إمبراطورة وتجمعها بشاه إيران وهي في 21 من عمرها، في حفل استقبال بالسفارة الإيرانية، الذي أقيم على شرف الامبراطور محمد رضى بهلوي، في ربيع سنة 1959، فتزوجا بعدها بسنة، خاصة وأنه كان يبحث عن زوجة ثالثة بعد أن طلق زوجته المصرية، لأنها أنجبت له ابنة واحدة فقط، كما انفصل عن الثانية لعدم إنجابها.

وقابلت فرح الشاه أكثر من مرة لتوطيد علاقتهما، إلى أن تقدم لها بشكل رسمي، عندما دعاها إلى عشاء في بيت زوجته الأولى، وذكرت فرح في مذكرتها هذه الواقعة، وقالت: “كنا جالسين في الصالون، وفجأة انسحب كل المدعوون وبقينا لوحدنا، وعندها راح يحدثني عن زيجتيه السابقيتين، ثم سألني: هل تقبلين بأن تكوني زوجتي؟ وعلى الفور أجبت بنعم، لم يكن هناك ما يستدعي التفكير، ولم تكن لدي تحفظات فقد أحببته وكنت مستعدة لأن اتبعه، فقال لي: أيتها الملكة، ستكون أمامك مسؤوليات كثيرة تجاه الشعب الإيراني”.

وكانت فرح ديبا الزوجة المناسبة لشاه إيران، حيث سبق وقال: “علمت بمجرد أن تقابلنا أنها كانت المرأة التي كنت أنتظرها طوال حياتي، كما كانت الملكة التي كانت مملكتي في حاجة لها”، فلقبها بالإمبراطورة سنة 1967، لتحكم إلى جانبه، كما كانت الوصية على ولي العهد وعرش المملكة.

وساهم الزوجان في إدخال إيران إلى عصر ذهبي من خلال الثورة البيضاء، وهي عبارة عن مخطط واسع تضمن عدة تعديلات اجتماعية واقتصادية، مثل تمكين النساء من حقوقهن الكاملة في إيران، وكذلك تدريس وتثقيف الفقراء، بالإضافة إلى دعم الفنون، ليجعلا من إيران دولة حديثة وأيقونة الديمقراطية والسلام والحرية.

وكانت فرح ذات فكر تقدمي، جعلها تتعامل مع مجموعة من المشاكل الداخلية بسهولة، حيث أضافت عدة تعديلات في الإمبراطورية أبرزها الاستثمار في القطع الفنية الحديثة التي تقدر اليوم بالمليارات، مثل “رونوا”، و”بولوكس” و”وارهول”.

لكن هذه الحقبة المجيدة سرعان ما تبددت، بسبب الحرب الباردة التي شنتها بعض العناصر من المجتمع الإيراني بزعامة روح الله الخميني، الذين اعتبروا التعديلات التي جاء بها شاه إيران وزوجته، محاولة للقضاء على القيم الإسلامية والثقافة التقليدية الإيرانية.

وبعد أن قبضوا سيطرتهم على البلاد، تم نفي الإمبراطور وزوجته وأولاده سنة 1979 خارج البلد، فتوجهوا إلى مصر ومنها إلى المغرب، حيث كان الملك الراحل الحسن الثاني من الأوائل الذين استقبلوهم.

وسردت فرح ديبا في مذكراتها واقعة حدثت في المغرب، جمعت بين زوجها شاه إيران والملك الحسن الثاني، ثم ألكسندر دومارونش، رئيس المخابرات الفرنسية آنذاك، الذي أحاط الشاه والملك علما بالمخاطر التي يشكلها وجودهم على المملكة المغربية، وأضاف أيضا أنه يتوفر على معلومات تفيد بعزم الخميني وأتباعه على اختطاف أحد أفراد الأسرة الملكية لإجبار الملك على تسليم الشاه لطهران، إلا أن الملك بشجاعته وشهامته، قال إنه لا يستطيع منع الضيافة عن شاه إيران الذي يعيش أسوء أيامه.

وتوفي بعد ذلك الشاه في مصر بعدما نخر السرطان جسده، لكن فرح ديبا ظلت تتردد على المغرب باستمرار، حيث أنها تمتلك مزرعة في مدينة تارودانت بالإضافة إلى رياض فاخر.

وفي سنة 2001، حل عليها فصل جديد من المآسي، زاد في تعميق هوة جراحها، بانتحار ابنتها الأميرة ليلى بهلوى، التي كانت تعاني من مرض تغذية أفقدها الوزن، فوجدت جثتها في فندق ليوناردو بلندن، وجاء في تقرير الطب الشرعي أنها توفيت جراء تناول جرعتين، واحدة مهدئة والأخرى مخدرة في نفس الوقت.

وعبرت في مذكراتها عن هذا الحدث المأساوي بقولها: “الأم لا تتعافى أبدا من فقد أحد الأبناء”.

وتبقى فرح ديبا نموذج المرأة العظيمة صانعة المجد والتاريخ، التي في عز انكسارها تبعث قوية، تماما كطائر الفينق الأسطوري الذي يولد من رماده.

بقلم الصحافية المتدربة أمينة مطيع

vous pourriez aussi aimer