سلطانة

حمضي: إصلاح ظروف تكوين الأطباء من نجاح تحدياتنا الصحية

قال الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، إن “إصلاح ظروف تكوين الأطباء من نجاح تحدياتنا الصحية”، مؤكدا أن حادثة انتحار الطبيب الشاب ياسين رشيد، أظهرت جليا “أننا أمام ظاهرة يجب البحث عن أسبابها لمعالجتها من الجذور”.

واعتبر حمضي، في ورقة بخصوص الموضوع، توصلت سلطانة بها، أنه “لمستشفياتنا وكلياتنا وأساتذتنا وأطبائنا وطلبتنا كل القدرة والعزيمة لتنقية المسار التكويني من هذه الشوائب والممارسات المشينة”، لمحاسبة المسؤولين عنها وتغيير مؤسسي لظروف التكوين، لافتا إلى أن الحديث عن الاضطهاد والضغط والابتزاز خلال التكوين الطبي كان موضوعا “مسكوتا عنه”، إلى أن فجرته هذه الواقعة.

وفي هذا الصدد، استذكر الخبير تصريح أحد الأطباء المغاربة خلال ندوة طبية، الذي قال إن هناك “حكرة” داخلية بالمستشفيات،  يتعرض لها الأطباء ويمارس عليهم الضغط والاضهاد، ما يدفع أغلبيتهم للمغادرة، وإن هناك أطباء رؤساء أقسام نخجل من حملهم لهذا الاسم، داعيا إلى فضح هذه الممارسات وعدم السكوت عنها

كما تقاسم حمضي تجربة أحد زملائه وهو طبيب ولج مصلحة طب القلب والشرايين بالرباط للتكوين في بداية السبعينات، وأجرى تداريب بأحد المستشفيات الفرنسية، كشف أن الأستاذ رئيس المصلحة استقبله وقدمه للفريق وفتح له مكتبته الخاصة لأخذ الكتب الطبية منها، كما استضافه وساعده حتى في قضايا خارج المصلحة كشاب أجنبي، مثمنا طريقة تعامل الأستاذ مع الفريق وتقاسمه مع تلامذته معارفه وخبرته وتشجيعهم وتصحيح أخطائهم ببيداغوجية ودون تعال.

واستطرد حمضي بالقول إن المستشفيات الجامعية مليئة بالأساتذة والمُكونين الأكفاء “ولاد الناس”، الذين لا يدخرون جهدا في تقاسم معارفهم وتجاربهم مع الأجيال الجديدة، لكن في المقابل، هناك آخرون “يسيئون لمهنة الطب ولشرفها ويدمرون أجيالا من الأطباء والصيادلة الذين يتكونون تحت إمرتهم”.

وسجل الخبير في النظم الصحية أن التكوين الطبي في كل دول العالم، يجعل الأطباء طور التكوين تحت ضغط هائل من حيث ظروف العمل وساعاته وغيرها من العوامل، مشيرا إلى أن إضافة ظروف عنف مؤسساتية أو اضطهاد شخصي من طرف الرؤساء يجعل الأمر “قنبلة موقوتة”.

وأكد المتحدث ذاته، أن قضية انتحار الدكتور رشيد ياسين، وارتباطها من عدمه بمعاناته من الضغط والاضطهاد خلال تداريب بإحدى المصالح الاستشفائية بالمغرب، حسب روايات عائلته وزميلاته وزملائه، هي قيد بحث إداري وقضائي لتدقيق الأسباب وترتيب المسؤوليات.

وتابع بالقول إنه “سواء كانت واقعة الانتحار مرتبطة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بما عاناه المرحوم خلال تكوينه الطبي، فإن الوقائع التي يسجلها زملائه والتي تؤكد تعرضه للاضطهاد والضغط والترهيب خلال تكوينه بمصلحة معينة، بل يتحدث هؤلاء عن معاناتهم من نفس الظروف التي عانى منها زميلهم المتوفى”، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد حالة معزولة بل بظاهرة على التحقيق الإداري والأبعد منه أن يتحرى مدى صدقية اتهامات الحكرة والابتزاز داخل بعض المصالح المعروفة بالمستشفيات الجامعية، ومدى اتساع رقعة هذه الظاهرة وأسبابها الحقيقية وبلورة الإجراءات التي يجب اتخاذها لمحاسبة المسؤولين عنها وعدم تكرارها.

ولفت الباحث في السياسات الصحية، إلى أن تفشي هذه الممارسات وسكوت الضحايا عنها راجع بالأساس، لكون “مستقبل هؤلاء الأطباء معلق بتوقيع فرد واحد بإمكانه أن يحرمك من إكمال تكوينك بدون حسيب ولا رقيب”.

وتابع بالقول: “القضية اليوم ليست فقط قضية انتحار طبيب وأسبابها ومخلفاتها، القضية اليوم تتعلق بكيف نطهر مستشفياتنا وأماكن تكوين أطبائنا من ممارسات شاذة وغير أخلاقية وغير قانونية وحاطه من الكرامة وابتزازية تسيء لجامعاتنا الطبية ولمستشفياتنا ولأساتذتنا ولطلبتنا”.

واعتبر الطبيب قيام بعض رؤساء مصالح أو من يقومون مقامهم أو مساعديهم بممارسات حاطة من الكرامة من قبيل الابتزاز والاستغلال والسخرة والحكرة والتحرش والإتاوات، “ممارسات إن صح بعضها فقط وليس كلها، فإن ذلك يعتبر جريمة بل جرائم ضد نبل وشرف مهنة الطب وضد نبل وشرف مهنة التعليم والتكوين وضد الوطن”، مستشهدا بدراسة منشورة قبل أشهر فقط، أكدت أن 70 في المائة من طلبة السنة النهائية من الطب في المغرب، يفكرون في الهجرة نحو الخارج، ثلثهم من النساء، كما يشكل مشكل التكوين الطبي 97.6 في المائة من أسباب التفكير في الهجرة.

وختم الطيب حمضي ورقته بالقول: “الذين يقومون بهذه الممارسات يساهمون في إفراغ المغرب من أطره الطبية وما أمسنا حاجة إليها، لذلك يمكن القول إن إصلاح ظروف تكوين الأطباء من ظروف مادية وتأطير طبي وظروف آمنة صحيا ونفسيا، جزء لا يتجزأ من مجهودات بلادنا للحد والتحكم في هجرة الأطباء نحو الخارج وإنجاح أوراشنا الطموحة لتعميم التغطية الصحية وتأهيل المنظومة الصحية الوطنية”.

vous pourriez aussi aimer