الفن التشكيلي بالمغرب… تنامي متواصل وسط جمهور نادر

يعيش الفن التشكيلي بالمغرب ديناميكية جديدة بفعل ظهور أجيال من الشباب أخذت على عاتقها مهمة التعبير عن طريق هذا النوع الفني؛ إلا أن ذلك لم ينجح لحد الآن في تربية جمهور عريض للفن التشكيلي في البلاد.

وفي الوقت الذي لا تخلو المدن المغربية الكبرى خاصة الدار البيضاء، والرباط من معارض دورية للفن التشكيلي؛ فإن عددا من النقاد والفنانين يجمعون على أن الأمر لم يبلغ بعد درجة الاشتغال الاحترافي المطلوب.

وفي 21 أبريل/نيسان الجاري، انطلق في العاصمة المغربية الرباط، معرض للفن التشكيلي تحت عنوان “مسارات جمالية”، ومن المنتظر أن يختتم أعماله في27 مايو/أيار القادم؛ وهو معرض تشكيلي متنوع يشارك فيه 36 فنانا مغربيا.

المعرض تنظمه “جمعية الفكر التشكيلي” (غير حكومية تأسست قبل عشر سنوات)؛ وفيه تأتلف حسب الناقد المغربي، ابراهيم الحيْسن؛ مجموعة من الحساسيات الفنية والتجارب الصباغية بمرجعيات فنية متباينة.

ويضيف الحيْسن للأناضول خلال تعريفه بالمعرض “من الملاحظ أنه قد احتلت الرموز والألوان والأشكال والكتل والتراكيب بؤرة الأعمال المعروضة في اندماج إبداعي مع تعدد الخامات والمواد”.

بدوره قال رئيس نقابة التشكيليين المغاربة عبد الحي الملاخ؛ إن القاسم المشترك بين الجيل الحالي من التشكيليين في بلاده هو “أنهم يشكلون مدرسة عصرية حتى لا نقول حداثية”.

وأضاف “هذه المدرسة تجمع ما بين الكاليغرافي(فن جميل يختص في تجميل الحروف والكتابية واخراجها بطريقة جميلة ومعبرة) والخط العربي إلى الرسومات الهندسية الى التجريدي المطلق”.

ويذهب الملاخ في حديثه للأناضول، إلى القول بأن “مشكل تلقي الفن التشكيلي يطرح سؤالا قبليا يتعلق بمدى إلمام الجمهور بالثقافة الفنية”. ويشرح ذلك بالقول “كل متلقي يجب أن يكون ملما بمعرفة ما أو ثقافة فنية حتى نطرح سؤال التلقي، ومادامت هذه الثقافة تغيب عن المغاربة فإنه يصعب الحديث عن التلقي بسهولة. لا يمكنك أن تلج بابا إلا بمفتاحه والمفتاح هنا هو العلم بالشيء أو التعاطي الواعي معه”

ومن نتائج غياب هذه الثقافة الفنية حسب الملاخ أن “الفنان يجد نفسه أمام مواجهة خطيرة جدا تجعل منه أحيانا يشتغل لنفسه فقط”

لكن لا يخفي المتحدث أن الفن التشكيلي يتطور في المغرب مع جمهوره الخاص، مضيفا “قبل خمسة عقود كنا فقط 12 فنانا في المغرب واليوم بات هناك المئات، والباب مفتوح على مصراعيه والكل يقدم تجربته التي تثري المشهد الفني”.

من جهته يرى المستشار القانوني والفنان التشكيلي المغربي نعيم شماعو الفهري أن “الفن المغربي جزء من المدرسة الفنية العالمية وأصبح عنده إشعاع في السنوات الأخيرة وبات معروفا كبصمة خاصة”.

وتابع للأناضول “هناك موجة فنية جديدة وهذا الاشعاع يعطي للفن المغربي مكانته التي يستحقها بكل جدارة”

وعن الفنان المغربي العامل في هذا المضمار، يرى المتحدث أن “وضعيته متأرجحة لم تأخذ بعد مسارًا له أرضية صلبة لأنه لازال يحث خطواته باستمرار وسط منافسة فنية شرسة”.

واستطرد موضحًا “التجارب الفنية الفتية التي لها على الأقل ربع قرن مازات لا تجد لها موطئ قدم لأن هناك حائط قوي جلد يصعب تجاوزه، وتشكله مجموعة تكتسح السوق الفنية بالمغرب”.

لكنه يرى بالمقابل أن ما يعني الفنان هو “أن يهتم بنحت تجربته والالتزام بأخلاقية الفنان أولًا، وإيلاء الفن حقه اللازم”، معتبرا ذلك “هو الكفيل بجعله (الفنان) يفرض نفسه على المتلقي وعلى المتخصصين أيضا”.

وعن ندرة الجمهور المتلقي للفن التشكيلي بالمغرب؛ قال نعيم الفهري “لست متفائلا إلى أقصى حد لكن هناك جمهور خاص للمعارض الفنية بمختلف مدارسها، وإذا كان هذا الجمهور نادرا فربما لأن طريقة التسويق الفني في البلاد ما تزال في البدايات”.

وتابع “المغرب له عقود طويلة في الفن ويمكن أن نرجع حتى إلى فنون ما قبل الميلاد، لكن الاشتغال والتسويق الاحترافي هو التحديث”

أما الناقد والفنان التشكيلي بنيونس عميروش؛ الذي نوه بتنوع التجربة المغربية من حيث أساليبها ما بين الكاليغرافيا والفن التجريدي والتشخيص وغيرها؛ فأشار إلى “وجود مكانة للتشكيل المغربي بالمقارنة مع ما هو موجود في العالم العربي”.

وذكر للأناضول، أن الأمر الإيجابي “هو ظهور تجارب شابة لها قيمتها وتدخل في ديناميكية تحاول إحداث تغيير”

لكنه في المقابل أوضح للأناضول أن “الفنانين المغاربة يشكلون اتجاهات مختلفة عالمية لكن يصعب أن نتحدث عن مدرسة مغربية محضة”.

وتابع المتحدث “الفن التشكيلي كوني، والفنان التشكيلي العربي عموما ليس مضطرا أن يهتم بالشكل التقليدي الذي ينحو صوب استحضار التراث، هذا التوجه صحيح هو موجود لكن أعتقد أنه أصبح متجاوزا”.

وفي تصور عميروش فإن كل فنان يميل إلى أسلوب عالمي ويحاول أن يضف لمسته المغربية، ممثلا لذلك بالفنان المغربي فريد بلكاهية الذي قال إن “له لمسة مغربية واضحة وأيضا اهتمام بالبعد الإفريقي”.

ويسجل المتحدث أن “هناك تحولا أيضا من حيث التلقي والجمهور، حيث إن واقع الفن التشكيلي في الألفية الثالثة ليس هو واقعه في السبعينات”، مشيرا أن “هناك انفتاحا على هذا الفن بدليل فتح العديد من الأروقة المتخصصة في الدار البيضاء والرباط.”

وردا على سؤال حول سبب عدم ظهور الأروقة في مدن أخرى قال عميروش إن “الفن التشكيلي عالميا هو نخبوي ولذلك لا نجده إلا في العواصم الكبرى مثل طوكيو وباريس ونيويورك ولندن”. مفيدا أن “التقدم التكنولجي يمكن أن يدفع في اتجاه إشاعته تماشيا مع اهتمام الناس بكل ما هو بصري”.

  • محمد عبد الصمد/الأناضول
Comments (0)
Add Comment