قضت طفولتها الأولى في أحضان القصر الملكي منذ سن الخامسة من عمرها، وكانت مدللة وسط الملوك والأمراء، حيث عاشت حياة البذخ والترف قبل أن تنتقل بين ليلة وضحاها إلى غياهب السجون لتعيش داخل الزنازن لمدة 15 عاما رفقة أسرتها.
هذه المرأة لم تكن سوى، مليكة أوفقير نجلة الجنرال المشهور بالمغرب محمد أوفقير وابنته البكر، التي تعتبر من مواليد مدينة مراكش في الثاني من أبريل عام 1953، ويصادف يوم أمس السبت عيد ميلادها، إذ أطفت شمعتها الثالثة والستين من عمرها.
وعن علاقتها بالقصر تقول مليكة أوفقير في حوار صحافي، بأن ذلك يأتي بعد زيارتها إليه صدفة، وكانت المرة الأولى التي ترافق فيها والدتها إليه، وفي تلك الزيارة تعرفت على الأميرة الصغيرة للامينا، وكانت تلعب معها وشيئا فشيئا جمعت بينهما علاقة ود وتآلف.
“وبعد ذلك طلب الملك الراحل من والدتي أن يتبناني، كي أكون رفيقة لُعب وحياة للأميرة، وبما أنه كان من الصعب على والدتي أن ترفض، فكان طلبُ الملك شرف كبير للعائلة، تم بين ليلة وضحاها انتقلت إلى القصر، وعشت ذلك بشكل قاسٍ جداً، بسبب انتقالي فجأة من حياة إلى أخرى”، تقول مليكة.
ورغم صعوبة فراق أسرتها عند بداية التحاقها بالقصر، لكنها سرعان ما اندمجت في المحيط الملكي، حيث تشير إلى أنها كانت تعيش حياة سعيدة متميزة رفقة الأميرة للامينا، وتعتبر الملك الراحل الحسن الثاني الذي تبناها أنداك بمثابة أبيها المحبوب.
لكن لحظات سعادة الطفلة المدللة في القصر مليكة أوفقير، انقلبت إلى حياة البؤس والعذاب في السجن، بعدما حاول والدها الذي كان يشغل وزيراً للداخلية ووزيرا للدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، تنفيذ الانقلاب على الملك الحسن الثاني والهجوم عليه بطائرة بوينغ 727، وأعتقل على إثرها الجنرال أوفقير وحكم عليه بالإعدام سنة 1972.
محاولة الانقلاب تلك، التي خلقت الرعب بالمغرب، لم تمر مرور الكرام، بل تسببت في إرسال عائلة محمد أوفقير بأكملها إلى سجن سري في الصحراء، حيث عانت مليكة وإخوانها وأخواتها ووالدتها (عبد اللطيف، ومريم، ومليكة، وماريا، وسُكيْنه ورؤوف)، ظروفا قاسية لمدة تقارب الـ15 عاما.
وبعد هروبهم أُطلق سراحهم إلى الإقامة الجبرية في المنزل، حيث أقتصر الحكم مبدئياً على الإقامة الجبرية لمليكة وعائلتها في منزلهم منذ 1973 إلى غاية 1977.
وفي عام 1991 كانوا من ضمن تسعة سجناء سياسيين الذين أفرج عنهم، وفي الـ16 من يوليو عام 1996 لما بلغت مليكة أوفقير من العمر 43 عاماً هاجرت إلى باريس برفقة أخيها رؤوف وأختها سُكيْنة.
وبفرنسا عثرت مليكة أوفقير على فارس أحلامها، حيث تزوجت في الـ10 من أكتوبر عام 1998 بإريك بوردروي، ثم اعتنقت المسيحية رفقة بعض أفراد أسرتها، وكانت حياتها قد ألهمت الكثير من المناصرين لحقوق السجناء السياسيين.
وبعدما التقت مليكة أوفقير الكاتبة الفرنسية ميشيل فيتوسي سنة 1997، بدأتا في كتابة سيرتها الذاتية سنة 1998، وذلك تحت عنون “السجينة”، حيث تحكي من خلال الرواية عن تجاربها الواقعية بحلوها ومرها بالانتقال من حياة طبيعية مترفة سهلة خالية من كليا من عقبات الحياة إلى فضاء آخر أكثر قساوة.
تصف الكاتبة المغربية، حياة القصر الملكي وطريقة عيش سكانه وكيف يتم الاحتفال بأيام الأعياد داخله، كما تحدثت عن مغامراتها وجرأتها في صغرها أيضًا وشعورها بالغربة، وهي بعيدة عن كنف عائلتها.
وسردت أيضا حكايات عن حياتها بعد رجوعها لعائلتها وعن ألاعيبها وتمرداتها الصبيانية، كما عبرت عن معاناتها في السجن وانعدام الحرية والخصوصية فيه، كما لفتت في سيرتها أنها تيتمت مرتين أولهما عندما مات والدها وثانيهما، عندما تحول أباها بالتبني إلى جلاد.
ورغم ما قاسته مليكة من معاناة رفقة أسرتها في السجن، لكنها سرعان ما نسيت ما قاسته من معاناة، حيث تقول “أنا كان لدي الحظ بعدم الشعور بالكراهية، وإحساسي بأنني صافية تماماً، وفي النهاية أقول لنفسي أننا كنا ضحايا، وبشكل ما شهداء، بحيث أني أفضل أن أهب كل مسيرتي، في كل ما خسرناه، وكل ما عشناه إلى وطني”.