في الذاكرة المغربية..مدن إمبراطورية من تاريخ مجيد

يقال إن “الأرض منفى والحياة مأساة”، لكن هذه المقولة لا تنطبق أبداً على المغرب، بلد على اتساعه يسكن قلوبنا، ويعبق بأريج حضارات مضت، وطن تجتمع فيه الأصالة والعراقة ثم التعدد، ليصبح لوحة فنية يرسم معالمها التاريخ بمحطاته المختلفة، وتلون تفاصيلها خصوصيات ثقافية ثقافية، ودينية ولغوية.

هذا البلد المترامي الأطراف، منذ عصور كان ومايزال يختزن في كنفه جبال الأطلس الشامخة، والكنوز الأثرية العظيمة والأسود البربرية النادرة، ثم السلالات التي خلدت اسمها في التاريخ، وشيدت مدنا إمبراطورية ما تزال كل زاوية منها تحتفظ بحكايات تعود لأكثر من ألف عام.

ويوجد في المغرب أربع مدن إمبراطورية وهي فاس، ومكناس، والرباط ومراكش، ويعود سبب تسميتها هكذا لأنها كانت عاصمة لسلالات متعددة تعاقبت على حكم المغرب، بداية من الأدارسة ووصولا إلى العلويين.

ويقترن ذكر مراكش، مدينة “البهجة”، بالدولة المرابطية، حيث تأسست سنة 1062، على يد أبو بكر بن عمر المتوني، وتطورت في عهد السلطان يوسف بن تاشفين الذي جعل منها في فترة حكمه الممتدة من 1061 إلى 1107، مركزا سياسيا، وثقافيا، ودينيا وتجاريا مهما في الغرب الإسلامي وإفريقيا.

وتعتبر مراكش عاصمة لأكبر إمبراطورية تعاقبت على حكم المغرب (1070-1147م)، ووحدته جغرافيا، كما أنها بقيت عاصمة للموحدين والسعديين، وتحتوي على مجموعة من المواقع الأثرية كباب دكالة، وباب أغمات، وباب أكناو، ثم المنارة، وقصر البديع، وقصر الباهية، وجامع الكتبية، والقبة المرابطية وقبور السعديين، وأيضا السياحية مثل جامع الفنا، وحديقة ماجوريل ثم أسواق المدينة القديمة.

وتعد مدينة فاس من أقدم العواصم المغربية التي سكنها العلماء الصالحون، وكانت قبلة للطلبة والمفكرين، ومدينة غنية بالمعمار والفن، بدأ بناؤها منذ سنة 172 هجرية أي 789 ميلادية، بأمر من مولاي إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وتختلف الروايات بخصوص سر تسميتها “فاس”، حيث تقول الأولى إنه أثناء حفر أساس المدينة، كان إدريس الإبن يحفر بفأس من الذهب لذلك سميت بفاس نسبة إلى الفأس، أما الرواية الثانية فتحكي أن عمال البناء وجدوا أثناء الحفر فأسا كبيرا وقديما فسميت فاس.

وتتوفر فاس على أول جامعة في التاريخ “جامع القرويين”، الذي أدخلت المغرب موسوعة “جينيس”، حيث يقول المؤرخ عبد الهادي التازي: “وما المغرب إن لم يكن القرويين”، ومن أبرز معالمها أبواب المدينة (باب الفتوح، الدكاكين، أبي الجنود، باب الحديد…)، ومسجد الاندلسيين، والمدرسة البوعنانية وغيرهما.

وتضاف كذلك مدينة مكناس إلى قائمة العواصم الإمبراطورية، التي تأسست عام 711 ميلادية، من قبل القبيلة الأمازيغية “مكناسة”، التي استمدت منها المدينة اسمها، وعرفت في عهد الموحدين ازدهارا عمرانيا مهما.

كما تم توسيع المسجد الكبير في فترة حكم محمد الناصر، وفي عهد المرينيين، شيدوا بها مجموعة من المساجد والمدارس والزوايا. وجعلها المولى إسماعيل خلال فترة مابين 1672 و1727، عاصمة للدولة العلوية، ومنه استمدت اسم “العاصمة الإسماعيلية”.

أما الرباط التي أسسها الموحدون في أواسط القرن الثاني عشر ميلادي، فقد تم بناء نواة مدينة محصنة بالقلاع بالإضافة إلى مسجد ودار للخلافة، واكتمل في عهد أبي يوسف المنصور بناء السور والبوابات.

وفي الفترة الاستعمارية، انتقلت العاصمة لمدينة الرباط الساحلية، في فترة كان فيها المغرب يتعامل مع الخارج، وبدأت كعاصمة علوية في عهد السلطان يوسف، إلى أن تناوب على حكمها العديد من الملوك، أولهم الملك محمد الخامس، والملك الحسن الثاني، والملك محمد السادس، وأصبحت الرباط في عهد الدولة العلوية مهدا للحضارة، عاصمة للأنوار وشعلة ثقافية شاع نورها إفريقيا وعالميا.

بقلم الصحافية المتدربة أمينة مطيع

Comments (0)
Add Comment