حين خلق من رحم مدينة الفن والفنانين (الصويرة)، لم يكن يدري أبداً أنه سيأخذ نصيبا من مدينته، لم يكن يعلم أن الأيام ستسوقه لأقدار غير متوقعة، وأن القدر سيرتب ليسطر اسمه في التاريخ كعميد للمسرح المغربي.
إنها حكاية هرم من أهرام المسرح المغربي وواحد من مؤسسيه، المعروف ب” موليير المغرب”.
إنه الراحل الطيب الصديقي!!
يقال: “الصدفة مميزة وكأنها سحر من عالم آخر يأتي ليسعدك”، أتى هذا السحر أيضا ليسعد الصديقي في اليوم الذي قرأ مصادفة في إحدى الجرائد، إعلانا لتدريب على الفنون المسرحية (1954)، ليرتمي في أحضان هذه المغامرة الجديدة دون أي فكرة عن المسرح.
وكان هذا التدريب فرصة للقاء أسماء بارزة في المسرح المغربي مثل أحمد الطيب لعلج ومحمد عفيفي.
وفي أول تدريب له بفن الدراما، كان سيلعب دورا ثانويا في مسرحية “عمايل جحا”، وبسبب تخلي العربي الدغمي عن الدور الأول، أُسنِد الدور للصديقي، وبعد عرض هذه المسرحية في مهرجان بباريس، أعجبت به الصحافة الفرنسية، إضافة إلى المسرحي الفرنسي هوبير جينيو الذي قدم له فرصة دراسة أساسيات وتقنيات المسرح بفرنسا.
وبدأ مساره الفني كممثل في فرقة “التمثيل المغربي” التي سميت بعد ذلك ب “فرقة المركز المغربي للأبحاث المسرحية”، قدمت عروضا مسرحية، شارك فيها الطيب الصديقي، من قبيل “مريض خاطرو” التي مثلت المغرب في مهرجان الأمم بباريس سنة 1958.
وفي عام 1960، طلب منه مدير المسرح البلدي بالدار البيضاء إنشاء فرقة ” المسرح البلدي”، والتي قدمت بدورها عدة مسرحيات “الحسناء” المقتبسة عن “أسطورة ليدي كوديفا” لجان كانول، و”رحلة شونغ لي” ثم “مولاة الفندق”.
ولم يكن توظيف الطيب الصديقي للتراث والهوية المغربية في أعماله يقتصر فقط على إحيائه والتعبير عنه، بل تجاوزها إلى استيعابه واستثماره ثم توظيفه للمزج بينه وبين الواقع المعاش،
وربما هذا هو سبب كون أعماله فذة متميزة.
وفي عام 1966، ألف مسرحية “في الطريق”، تطرقت لظاهرة الأولياء والأضرحة، وتحولت فيما بعد لفيلم بعنوان “الزفت”، كما قدم مسرحية “مدينة النحاس”.
وكتب الصديقي أكثر من 30 نصا مسرحيا، وترجم واقتبس أكثر من 30 عملا دراميا، وأخرج عددا من الأعمال المسرحية والسينمائية، كما شارك في فيلم “الرسالة”.
واشتهر أيضا بأعمال مسرحية مثل “مقامات بديع الزمان الهمداني”، و”سلطان الطلبة”، و” ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب”، ثم مسرحية ” عزيزي” التي كانت آخر عمل قدمه سنة 2005 بعد أن أقعده المرض.
وتقلد الطيب الصديقي العديد من المناصب، أبرزها اشتغاله كمدير فني لمسرح محمد الخامس بالرباط، وأيضا مدير للمسرح البلدي بالدار البيضاء.
وتُوِّج عمله الدؤوب بوسام العرش عام 2008، كما تم تكريمه في العديد من المناسبات.
وبالعودة لطفولته، ولد الطيب الصديقي عام 1937 بمدينة الصويرة، نشأ في بيت علم، إذ كان والده فقيها وعالما، درس المرحلة الابتدائية في الصويرة، وبعدها استقر هو وعائلته في مدينة الدار البيضاء حيث حصل على شهادة الثانوية، وحين بلغ سن 16 عاما، عرض عليه مسؤولون فرنسيون السفر إلى فرنسا، فوافق وتخرج بعد ثلاث سنوات بديبلوم مكنه من العمل في اللاسلكي بالبريد.
من مصادفة في إحدى الجرائد إلى لقب ” أبو المسرح المغربي”، سيرة حياة لا تبدو عادية أبدا، وأقدار تُحَرَّك لِتخط اسم “الطيب الصديقي” في صفحات التاريخ وتخلده كرائد من رواد المسرح المغربي.
بقلم الصحافية المتدربة أمينة مطيع