قصة وفاء.. بين التضحية والانتحار

وفاء وهو اسم مستعار اختارته ضيفتنا لتحكي لنا قصتها التي تتذكر تفاصيلها ولا تقوى على نسيانها، هل لأنها قصة لا تنسى أم لأن وفاء عاشت ما يكفي من الخذلان وخيبات موجعة؟

في أحد أحياء مدينة تيفلت كبرت وفاء في بيئة محافظة ومتدينة، لم تحتك بالمجتمع، كل ما تعرفه عن الحياة يتمحور حول عائلتها ودراستها وصلواتها الخمس.

فتاة بريئة تحمر وجنتاها خجلا، تقول الحقيقة مهما كلفها الأمر فهي من تعلمت منذ صغرها على أن “الكذب حرام “.

واضعة لباسها الشرعي “الخمار” متجهة صوب مدرستها حيث تستطيع أن تتحدث وتعبر فبالنسبة للوفاء منزلها كان مصدر الصرامة والتعصب، لكنها لم تقوى يوما على التمرد لأنه في النهاية ذاك هو بيتها ومسقط رأسها.

لطالما كانت التلميذة المجتهدة والمواظبة حصدت المراتب الأولى خلال مسارها الدراسي إلى حدود سنة أولى ثانوي، ليكن للقدر رأي اخر.

لا تتجاوز سبعة عشر ربيعا وتقدم لخطبها الكثيرون، ثارة رجل صاحب ذو جاه ومال كل ما يوده أن يخطف قلب تلك الفتاة الجميلة التي لم تعرف يوما معنى كلمة حب، وثارة أخرى يكون المتقدم من الطبقة المتوسطة كل ما يريده فتاة صالحة وصبورة ومسؤولة يستطيع أن يعيش معها تحت سقف واحد وتكون أما لأطفاله.

فالزواج بالنسبة لوفاء غير مرتبط بالمال أو الحب، بل الزواج في رأيها هو هروب، نعم هروب من ضغط كبير ظل يتراكم طيلة سنوات، ويزداد شيئا فشيئا بحكم وسطها المحافظ.

وفي يوم من الأيام تقدم شاب لخطبتها وحسب أقوالها كان الشاب إمام مسجد، ومن النظرة الأولى زارها الحب لكن عائلتها رفضت هذا العريس.

احكي يا وفاء ..

“عندما رفضوا عائلتي العريس لم أفكر سوى في الانتحار وبالفعل أقدمت على الفكرة وأتذكر جيدا، يوم السبت، على مائدة الغداء كنا نناقش عرض الزواج وكل أسرتي عبروا عن رفضهم الشديد والقاطع للعريس، فانتظرتهم ريثما يغادروا المنزل وألقيت بنفسي من أعلى طابق ولم أفكر ولم أتردد”.

“لم يكن همي المال كنت أنتظر انسان قريب من الله متسلح بالإيمان والأخلاق الطيبة ومع ضغط الاسرة كنت انتظر الزواج بفارغ الصبر، خاصة انني كنت مراهقة ولم أرتبط يوما بشخص أول شخص أحببته كان زوجي “

“زوجي كان إمام مسجد وهذا ما دفعني للزواج به لكن عندما انتقلنا إلى عش الزوجية، علمت حينها أنني كنت مخطئة وأنني كنت ساذجة في التعامل مع فكرة الزواج”.

“فعلا المظاهر خداعة زوجي السابق كان إمام مسجد إلا أنه كان خائن يحب النساء وكان سكيرا أيضا”.

” كنت في السابعة عشرة عندما قررت أن أرتدي النقاب كنت في السلك الثانوي، حينها وذلك قبل أن أتزوج وبعد زواجي توقفت عن الدراسة “.

بعد عام وثلاثة أشهر من الزواج قررت وفاء الانفصال وعن أسباب الانفصال قالت وفاء” كان يخونني ويضربني مرارا ” فشعرت كأن عقارب الساعة تسير في اتجاه معاكس وأن الرجل الذي قررت الانتحار لأجله وضع قناعا آخر.

لم يعد بمقدورها أن تستحمل فوق طاقتها فعادت إلى منزل عائلتها، عادت بخيبة أمل وقلب مكسور.

“وفي فترة التي رفعت دعوة الطلاق عدت إلى الدراسة وفي كل مرة كنت أجده أمام باب المدرسة ينتظرني ويقول لي لا أقبل الطلاق”.

“ولأنه كان رافض فكرة الطلاق اضطررت لتنازل عن جميع حقوقي وأحظر بحق واحد بقية حياتي وهو الكرامة والحرية”.

“وأتممت دراستي وحصلت على شهادة بكالوريا بمعدل مشرف وحلمي أن أصبح محامية، لذلك ولجت للكلية شعبة قانون وهذه السنة سأناقش بحث تخرجي لأنال الاجازة في القانون “.

“بعد هذه التجربة كرهت الرجال خاصة أن المجتمع لا يرحم خصوصا إذا كنت مطلقة وكلمة مطلقة تعني “للعموم”، لذلك أحاول أن أعيش حياتي بشكل طبيعي وأكتم سري لم أذكر أنني مطلقة يوما منذ ولوجي الجامعة كأنني وضعت جليدا بين حياتي في الماضي والحاضر ولن أعوذ للوراء”.

“نصيحتي لكل امرأة” أرجوك تسلحي بدراستك ومسارك المهني أولا ولا تنخدعي بالمظاهر لأنها حتما ستخيب أمالك، لا تستعجلي فكرة الزواج وتكوين أسرة لأنك حتما ستعانين “.

هذه قصة وفاء التي تمثل الكثير من النساء عبر العالم، اللواتي امنوا بالحب وتمسكوا باختياراتهن إلى غاية النهاية فقدمت لهن الحياة دروسا على حساب حريتهن وكرامتهن، لكنهم استمروا في العيش واتخذوا من الأمل سلاحا لمحطة جديدة وحياة جديدة عنوانها الكرامة والحرية.

Comments (0)
Add Comment