لم تُثنهم براءتهم من الحديث بكل أريحية عن ممنوعات موسمية اتخذوا منها بضاعة مباحة رغم مخاطرها، تصلهم بطرق مختلفة، بين مهرب وبائع مجهول ومشتري ينتظر الفرصة لإشباع رغبة عنيفة، تتحقق في الانفجار بين أزقة المدن وأحيائها الشعبية لتكسر بذلك هدوءها المعتاد.
حي” القامرة ” الشعبي في العاصمة الرباط، وككل عاشوراء، تتحول أحياؤه الى فضاءات شبيهة بساحات الحرب حيث أصوات المفرقعات العالية ورائحة مواده الشبيهة بالبارود، ونيران العجلات المطاطية، كلها مشاهد لعنوان واحدا، احتفال صاخب غير محمود العواقب أبطاله أطفال قاصرون.
جدل يتجدد:
في مثل هذه الفترة من السنة يكثر الحديث بين الشرائح الإجتماعية المغربية من كبيرها إلى صغيرها عن ظاهرة المفرقعات التي تغزو الأحياء والتي أضحت تلازم هذه المناسبة الدينية رغم تجريمها والتهديد بفرض عقوبات صارمة في حق مستعمليها.
يتحدث أحد الشباب لمجلة “سلطانة” حول خطورة الظاهرة قائلا ” أنا لا أستعملها قط، لكن أصدقائي يقبلون عليها بقوة”، الأمر الذي يختلف مع قاصر اسمه “مراد” الذي لا يرى في الأمر أي خطر طالما أنه يقتصر على الإحتفال والفرح، خاصة وأن المدة التي تطفو فيها الظاهرة على السطح لا تتجاوز أياما معدودات.
الرغبة في الاحتفال هو القاسم المشترك بين “مراد” وأم تستسلم أمام رغبة أبنائها في استعمال الممنوعات المفرقعة رغم وعيها الكامل بخطورة الأمر بقولها: “ليس أمامي سوى الإمتثال لرغبتهم في شراء المفرقعات رغم وعي بخطورتها وآمل أن تمر الأمور بسلام”.
تاريخ أسود :
“ميسي” ،”داعشة”،” الزيدانية “،” النحلة”، “المين”، “فريخ “و القائمة طويلة، أسماء ساخرة لألعاب نارية، تخفي وراء براءة أسمائها وبخس ثمنها مآسي كثيرة.
المفرقعات في متناول الأطفال كما الشباب المغربي، فالأثمنة تبدأ من درهم واحد أو أقل الى 20 درهما وهو ثمن “داعشة “، الصنف الأكثر قوة أو بالأحرى صاحب الصدى الأكبر، ويرتفع الثمن مع “الزيدانية” الى ما يقدر بـ 50 و 60 درهما وينخفض مع “النحلة” التي تحمل أيضا اسم (بنغلاس استريليتاس) وتباع بثمن 3 دراهم بالتقسيط، وغالبا ما يروجها أطفال لا تقل أعمارهم عن 9 و 10 سنوات.
كلما زادت قائمة لوائح المفرقعات، ازدادت معها قائمة ضحاياها، كما وقع أمس اثناء الاحتفالات في البيضاء، إذ انقلبت الأفراح الى أقراح عندما توفي شاب، إثر إصابته على مستوى العنق بـ “صاروخ فيزي” خاص باحتفالات عاشوراء.
الضحايا لم يسقطوا فقط هذه السنة أو السنة الفارطة وإنما كانت السنوات الماضية شاهدة على سلسلة مآس كثيرة، فالاحتفالات لا تنتهي إلا لتترك ندوبا على ضيوفها، كما وقع لـ “سلوى” التي لم تسلم السنة الماضية من عنف المحتفلين الذين افقدوها قرنية عينها وحولوا حياتها لجحيم.
قرارات لا تجد طريقها للتنفيذ:
مساطر وقوانين ودوريات أمن ومذكرات استباقية تدعو الجميع للحيلولة دون تسرب المفقرقعات للأسواق المغربية، لكن لا شيء من هذا يتحقق.
ففي كل سنة تشهد الأحياء خاصة الشعبية منها حملات ضد مستعملي المفرقعات بدء بمروجيها ومهربيها ثم المقبلين على اقتنائها في الأسواق السوداء خاصة في مدينة الدار البيضاء.
وتنص المادة 54 من القانون رقم 22.16 المتعلق بـ “تنظيم المواد المتفجرة ذات الاستعمال المدني والشهب الإصطناعية الترفيهية والمعدات التي تحتوي على مواد نارية بيروتقنية” أنه “يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة يتراوح مبلغها بين 50 ألف و500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يحوز، دون مبرر قانوني، مواد أولية أو مواد متفجرة أو شهب اصطناعية ترفيهية أو معدات تحتوي على مواد نارية بيروتقنية أو يقوم بإدخالها بطريقة غير قانونية إلى التراب الوطني، وكل من يقوم، بطريقة غير قانونية، بصناعة مواد متفجرة أو شهب اصطناعية ترفيهية أو معدات تحتوي على مواد نارية بيروتقنية”.
هي إذن عقوبات صارمة تواجه مرتكبي هذه الأفعال التي يعتبرها مغاربة كثر “إجرامية”، ومجهودات تبذل لتوفير نوع من السلام والإستقرار طيلة فترة الاحتفالات التي يتم فيها حجز كميات واعتقال أشخاص جانحين.
المفرقعات تتحدى السلطات:
أصوات تهتز لها الأبدان، صراخ النساء الخائفات كما الأطفال الصغار، السيناريو نفسه والأجواء عينها تتكرر، الاحتفالات تعود بصخبها وممنوعاتها، المفرقعات في كل مكان، بيد أن دوريات الشرطة لا تقتحم أزقة المدن وأحيائها.
مروجو المفرقعات والمقبلون على اقتنائها بكثرة بالتزامن مع المناسبة السنوية، لا يبالون بمذكرات السلطات الداعية للمنع، ولا بلاغات الأمن التي تهدد من يحوزها، كل ما يهم هؤلاء هو أن يملؤوا سماء مدنهم بالشهب وأرضها بالصخب.
زينب الحريتي: متدربـة